ما كشفه تقرير مركز المعلومات "الإسرائيلي" لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة “بتسيلم”، حول اعتداءات المستوطنين؛ والذي مر مرور الكرام دون الانتباه لخطورة ما ورد فيه؛ يستدعي أن نعيد قراءة المشهد الفلسطيني من جديد؛ وخاصة في كيفية مواجهة الاستيطان واعتداءات المستوطنين المتزايدة في أراضي الضفة الغربية المحتلة؛ وعدم الاكتفاء بمقاومة الشموع والمسيرات السلمية التي لم يجر تغيرها أو تطويرها منذ توقيع اتفاقية "اوسلو" قبل23 عاما.
التقرير تحدث بكل وضوح ومدعما بالأدلة؛ عن سياسة إسرائيلية جديدة، خاصة بخصخصة القوة لإحكام سيطرتها في الضفة الغربية، دون أن تستخدم القوة بنفسها لتحقيق ذلك؛ وهو ما يساعدها في تحقيق أهدافها وترسيخها وفرض الوقائع على الأرض.
وأخطر ما في التقرير هو الكشف عن أن ما تتبعه دولة الاحتلال؛ هو جزء من خطة ممنهجة، عبر سياسة طويلة الأمد؛ حيث تسمح للمستوطنين بالتعدّي على الفلسطينيين، دون مطالبتهم بتحمّل عواقب أعمالهم، وأعمال العنف والترهيب هذه، هي شكل من أشكال خصخصة استخدام القوة، فمن خلالها، ترسّخ دولة الاحتلال سيطرتها دون الاضطرار إلى ممارسة العنف بنفسها؛ بل وتظهر نفسها أحيانا أنها تتوسط بين المستوطنين والفلسطينيين، لكن حقيقة الأمر هي تقوم بتنفيذ مخطط لجعل الاستيطان أمرا واقعا، يعطل، وينهي للأبد حلم الدولة الفلسطينية.
حكومة "نتنياهو" تخشى المجتمع الدولي الرافض للاستيطان؛ فراحت توكل مهمة توسيع الاستيطان للمستوطنين، وتغض الطرف عن اعتداءات المستوطنين؛ باعتبار اعتداءاتهم وسيلة ناجعة من ضغط وإكراه على الفلسطينيين، بعيدا عن انتقاد المجتمع الدولي.
بعد زيارة "ترامب" للمنطقة؛ تصاعدت وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية؛ وخاصة مناطق مثل القدس المحتلة، والخليل ورام الله وسلفيت ونابلس، وكل يوم يجري تجريف لأراضي المزارعين الفلسطينيين البسطاء، وبعيدا عن أعين الإعلام؛ ليلقى بهم في صفوف البطالة.
ما قالته "عميرة هس" بأن الاستيطان أصبح خارج قدرة قيادة السلطة الفلسطينية، هو واضح جدا في الضفة الغربية؛ لكن يبقى السؤال من السبب!؟ وما هو رد السلطة على الاستيطان!؟ والى متى ستبقى بموقف لا تحسد عليه ولا تحرك ساكنا لمواجهته؛ بشكل يؤلم الاحتلال، ويجبره على دفع ثمن استيطانه الذي يأكل الأخضر واليابس في الضفة!؟ ولنأخذ العبرة من تصريحات "ليبرمان" التي أقر فيها أن الاحتلال انسحب من 21 مستوطنة في غزة؛ وذلك ليس بفضل مقاومة الشموع.
إن بقي الحال على ما هو عليه؛ فإن ما قاله قادة الاحتلال بعد احتلال الضفة عام 67؛ من أنهم سيعطون الفلسطينيين حكما ذاتيا مستقبلا، ولا أكثر ولا أقل؛ هو الأمر المطبق بشكل فعلي على أرض الواقع؛ الذي كان من المفترض أن تقوم الدولة الفلسطينية بعد خمس سنوات من توقيع "اوسلو" ولكن ما يجري هو تطبيق للحكم الذاتي، فنشاط المنسق والإدارة المدنية في تزايد كبير جدا في الضفة.
في التقرير التابع لـ"بتسيلم" استعرض اعتداءات عديدة للمستوطنين في مختلف مناطق الضفة الغربية؛ كما جرى من مهاجمة مستوطنين لمنازل في حوّارة، وجرحوا عددا من المواطنين من بينهم مسنّة في الـ 68 كانت ترعى الغنم في أرضها قرب منزلها، وان الجيش لم يعتقل أيًّا من المستوطنين المتورّطين في الهجوم، بل سمحوا لهم بالذهاب في حال سبيلهم، مؤكدا أن كيان الاحتلال يسمح بحصول هذه العدوانيات دون عائق تقريبًا، لأنّ الأمر يساعدها على تحقيق أهدافها في الضفة الغربية، بما في ذلك الاستيلاء على المزيد من الأراضي.
في المحصلة؛ الاستيطان سيستمر وينتعش أكثر وأكثر في المدى المنظور، وفي ظل الأداء الفلسطيني الباهت في مواجهته؛ ولكن لن يطول زمن تفكيك المستوطنات والانسحاب منها كما جرى في غزة؛ على يد المقاومة؛ "ويسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريبا".