يمسك علي حمران ملعقة خشبية كبيرة يحرك بها عصير الخروب في قدر معدني كبير وُضِع فوق موقد من الحطب، وبجواره يحمل ابنه دلو به المزيد من عصير يصبه في القدر كلما تطلب الأمر.
وبينما يلسع الدخان المتطاير وجهه، يستمر حمران بالتحريك لنحو 15 ساعة إلى أن يصبح الخروب متماسك القوام.
قبل أن يصبح الخروب رُبًّا أو دبسًا، يمر بمراحل، حيث يبدأ علي وعائلته بقطف الثمار من أرضه الواقعة في قرية الهاشمية غرب مدينة جنين، في 15 أغسطس/ آب من كل عام، بمشاركة جميع أفراد الأسرة كبارًا وصغارًا، وشبابًا، وفتيات.
ويوضح حمران (52 عاما) أن جني ثمار الخروب يحدث تمامًا كما تُجنى ثمار الزيتون، حيث تتساقط قرون الخروب في محيط الشجرة على الأرض بعد فرشها بمفارش نظيفة.
وبعدها ينشر الخروب على الحائط أو الأسطح لمدة أسبوعين من أجل جفافه بالكامل، ومن ثم يحمل الخروب المجفف إلى المطحنة لجرشه، ثم ينقع في الماء الدافئ لمدة ثمان ساعات، ويُحرَّك كل ساعة، حيث يضاف إليه ماء في حال نقص طوال هذه المدة.
بعد ذلك تبدأ عملية الفرك التي تتشارك فيها العائلة بأكملها. ويبدأ حمران يومه عند الساعة السادسة في الصباح الباكر، حيث يقوم بفرك تفل الخروب وعصره جيدا وتصفيته بقطعة قماش بيضاء ثلاث مرات، بطريقة يدوية.
ويقول حمران: "النظافة مهمة للغاية، تشمل نظافة اليدين، وتعقيم الأواني قبل وبعد الطبخ، فأي شائب كفيل بإفساد رُب الخروب، ونظافته تضمن أن يستمر تخزينه حتى عشر سنوات".
يردف: "بعد تصفية الخروب والتخلص من التفل، نضع 110 لترات في كل قدر وتترك على نار الحطب لمدة 15 ساعة حتى نحصل على مزيج مُركز من الخروب تتراوح كميته من 20 -22 لترًا، ومن ثم يترك 15 ساعة أخرى ليبرد، ثم يُوضَع في زجاجات بلاستيكية معقمة بالماء الساخن".
وورث حمران صناعة رُب الخروب عن والديه منذ 70 عاما، حيث كان يشاركهما في الصغر في جني الخروب، ومن ثم جرجشه بالحجارة، فلم يكن متوفرا مطاحن في القدم.
ويقول: "قريتنا فيها أشجار الخروب، وورثنا زراعته عن آبائنا وأجدادنا، كنتُ أشاهد أبي وأمي منذ صغري يعملون في هذا العمل، حتى إنّ أمي ما زالت تعمل فيه وقد تجاوزت الآن 95 عامًا، أشاهدها حين تدّق أكياسًا كبيرة من الخروب بالحجر وتغليه وتطبخه، فأحببنا العمل وتعلمناه ومارسناه وحفظناه حتى اليوم بصفته تراثًا شعبيًا وصحيًا".
وقبل 12 عاما اشترى قطعة أرض بمساحة 4 دونمات، وزرعها كاملة بأشجار الخروب متجاهلا محاولات البعض ثنيه عن الإقدام على هذا الأمر، لأنها تحتاج إلى 7 سنوات حتى تثمر، لافتًا إلى أن شجر الخروب من الأشجار دائمة الخضرة.
وبحسب حمران لا تُضاف أي مواد صناعية إضافية كالسكر أو النشا إلى رُب الخروب، لأنها تساعد على تلفه بسرعة.
غذاء وعلاج
وتشتهر الضفة الغربية بصناعة أكلات من رُب الخروب كالخبيصة والمبشورة، ويضاف إلى الكيك، والمعجنات الساخنة بديلا عن الشكولاتة، كما يُحشى في الساندويشات للأطفال، مع السمسم والطحينة.
وفضلا عن ذلك يقول حمران إن رُب الخروب مفيد جدًا لمن يعانون أمراضًا كثيرة كآلام المفاصل والإمساك والالتهابات وآلام البطن، ويستخدم كذلك علاجًا لفطريات الفم واللسان، وخفض ضغط الدم، ويحارب الإمساك، بإضافة ثلاثة ملاعق من رب الخروب على كأس ماء دافئ وتذويبه وشربه على الريق، وفق علي.
ويحافظ حمران على صناعة رُب الخروب، بدافع المحافظة على التراث والتمسك بالصناعات التراثية حتى لا تندثر.
ويعرف رُب أو دبس الخروب بأنه سائل داكن يضيف نكهة حادة للأغذية إضافةً لامتلاكه فوائد صحية عديدة للجسم بسبب عناصره الغذائية الهامة، كما يعد دبس الخروب من أكثر الأغذية الطبيعية احتواءً للطاقة، لذلك يعد مصدرًا جيدًا لإمداد الجسم بالطاقة السريعة التي يحتاجها.
ويحتوي دبس الخروب على مادة سكرية شبيهة بتلك الموجودة في العسل الطبيعي والفواكه، وهو يعد من أجود أنواع السكريات الخالية من المواد المصنعة والدهنيات، والتي تدخل عبر الدورة الدموية.