فلسطين أون لاين

عن الشعور الطاغي بالحزن.. حين يحمل الخريف اضطراباته الموسمية

...
صورة تعبيرية
غزة/ مريم الشوبكي:

هل سمعت من قبل عن الاضطراب الموسمي العاطفي؟ هل شعرت بتغير في الحالة المزاجية والقدرة على الإنتاج عند دخول فصل الخريف؟ وهل تساءلت عن سبب ذلك الشعور الطاغي بالحزن الذي يصل بالبعض إلى مواجهة مخاطر قد تصل إلى الأفكار الانتحارية؟

"الاضطراب الموسمي العاطفي" أو "الاكتئاب الموسمي"، حالة شائعة، ولكن لا تصيب جميع الأشخاص، تطرأ على الشخص عادة مع دخول فصل الخريف، بسبب تأخير عقارب الساعة، وتراجع نسبة الضوء، وسيطرة الجو المعتم، وقلة الحركة والنشاط بعد ثلاثة أشهر صيفية مليئة بالحيوية والنشاط.

والخريف بالنسبة إلى هند أبو راس فصل غير محبب، تصاب فيه بالتوتر وتعكر المزاج؛ فهي شخصية تحب ضوء الشمس والحركة والنشاط، وهذا ما تفتقده في فصلي الخريف والشتاء.

تقول أبو راس (31 عاما) لـ"فلسطين": "أكره العتمة والجلوس وقتًا طويلًا في البيت، ففي الشتاء تقل الجمعات العائلية والتنزه، وهو مرتع للأمراض، لا سيما الإنفلونزا التي تصاحب الشخص من مجرد بدئه حتى نهايته، ما أحبه في الشتاء هو تغير التوقيت فقط".

أما هداية حسنين فتعشق رائحة التراب عندما يتبلل بماء المطر، والأجواء الباردة، وحالة الهدوء التي تسود في فصل الشتاء، وتكره فصل الصيف.

هداية (21 عامًا) لا تشعر باكتئاب خريفي بل اكتئاب صيفي، تقول: "الصيف يصيبني بأضرار نفسية وجسدية، ما دمتُ أشعر بالحر أُفضِّل الصمت وأصاب بحالة عصبية يتعكر معها مزاجي".

وتقول لـ"فلسطين": "نشاطي مرتبط بالمزاج لدي، فقد أُضطر إلى تأجيل أعمالي حتى تنكسر حدة الحر، وعلى سبيل الطرافة، أخواتي يهنئونني مع دخول فصل الشتاء، ويعزونني بقدوم الصيف".

في حين تقول إسلام السرحي: "مجرد أن تمطر أغلق الأبواب والشبابيك، وأشعر بالوحدة لأنني سأضطر إلى ملازمة البيت حتى يودعنا الشتاء".

وتوافقها الرأي سندس قاسم، إذ تشعر بانتشار اللون الرمادي في الشتاء الذي لا تفضله، وتعُد أيام رحيله حتى يعود الصيف بالبهجة إلى الحياة.

أعراض وعلامات

هذا الثقب الأسود يطلق عليه البعض "أحزان الشتاء"، هو في الحقيقة نوع من الاضطراب النفسي يُعرف بـ"الاضطراب العاطفي الموسمي"، ويُشار إليه اختصارًا باسم (SAD). ويشمل هذا الاضطراب مجموعة من الأعراض قد تختلف حِدَّتها وتأثيراتها من شخص إلى آخر.

ووفقا لتقرير نشر بموقع "مايو كلينك" الطبي، فإن اكتئاب تغير الفصول له الكثير من الأعراض والعلامات، أهمها: الشعور بالحزن والخمول، والاضطراب في المزاج والتقلب العاطفي، فتشعر بحالة من الانزعاج مع الشعور بالعصبية والشعور بالرغبة في العزلة والحزن غير المبرر، مع حالة من عدم القابلية والشعور بالكسل والخمول وعدم الرغبة في بذل النشاط أو غيره من الأفعال الحيوية الجيدة.

مرتبط بالاكتئاب

وتبين الاختصاصية النفسية إكرام السعايدة أن الاضطراب العاطفي الموسمي أكثر شيوعا لدى الأشخاص الذين شُخِّصوا بالاكتئاب أو الاضطراب ثنائي القطب، خاصة الاضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني الذي يرتبط بنوبات الاكتئاب والهوس الخفيف المتكررة.

وتقول لـ"فلسطين: "تزيد احتمالية الإصابة بالاضطراب العاطفي الموسمي عند الأشخاص الذين لديهم تاريخ وراثي من الأمراض العقلية الأخرى كالاكتئاب أو الفصام".

وتوضح السعايدة أن "الاكتئاب الموسمي" حالة وجدانية يسودها تعكير في صفو المزاج ويصاحبها بعض الأعراض، كفقدان الشغف، واللامبالاة، وفقدان الشهية، والميل إلى الانطواء على الذات.

وتلفت إلى تنوع أعراض الاضطراب العاطفي الموسمي وتتباين درجة شدتها أيضا، وقد تشمل الشعور بالاكتئاب في أغلب ساعات النهار إلى حدٍّ ربما يعوق الشخص عن ممارسة الأنشطة اليومية. قد تلاحظ أيضا تغيرات واضطرابات في نمط النوم، سواء الشعور بالخمول والنعاس، أو الأرق وعدم القدرة على النوم بانتظام.

أما عن أسبابه، فتشير إلى أنه حتى الآن، لا يفهم العلماء تماما أسباب الإصابة بالاضطراب العاطفي الموسمي، لكن هناك عددًا من النظريات المتنوعة التي حاول العلماء من خلالها تفسير هذه الظاهرة، منها تغير العوامل الجوية وقلة الضوء والحركة والأنشطة وانحسار لمات العائلة والأصدقاء.

وتلفت السعايدة إلى أن الاضطراب الموسمي العاطفي لا يدوم طويلًا ولا يؤدي إلى خلل في الحياة الوظيفية كالانقطاع عن العمل أو عن الدراسة والتجمعات، ويرتبط بالسمات الشخصية للأفراد واهتماماتهم وميولهم ونمط الحياة الذي يختار الشخص المضي به، كميله بالأساس إلى الانعزال.

وتشجع السعايدة الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب الموسمي على كسر الروتين وتجديد نشاطهم، وممارس الهوايات والمواهب التي يُجيدونها، والبحث عن أصدقاء يمدونهم بطاقة إيجابية.