تتزايد الشكوك الإسرائيلية من الموقف الأمريكي تجاه السلوك المتوقع بالنسبة للمشروع النووي الإيراني، لا سيما مع تزايد الجهود الدولية والأمريكية لإنجاز اتفاق نووي على غرار اتفاق 2015، وقد تراكمت في الآونة الأخيرة جملة من الشواهد والمعطيات التي تجسد المخاوف الإسرائيلية.
يتحدث الإسرائيليون بصوت عالٍ عن خلاف حقيقي بين واشنطن و(تل أبيب) تجاه الموقف المطلوب لوقف طهران عن تقدمها المتسارع في إنجاز مشروعها الاستراتيجي لدخولها النادي النووي، وكسر الاحتكار الإسرائيلي لحيازة هذا السلاح في كل المنطقة، صحيح أن الاحتلال لا يملك كثيرا من الترف في البحث عن شركاء وحلفاء جدد لمواجهة هذا المشروع، على الرغم من محاولتها العثور على شركاء "صغار" في المنطقة عقب اتفاقيات التطبيع في العام المنصرم.
ظهرت قمة جبل الجليد في هذا الخلاف في عرقلة الكونغرس تمويل القبة الحديدية لجيش الاحتلال؛ ما شكل صدمة للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، التي فوجئت بهذا الموقف، رغم أنه لم يصمد طويلا، وسرعان ما استأنفت الإدارة الأمريكية تمويلها، تجسيدا لتحالف استراتيجي بعيد المدى، لكن ذلك لم يلغِ حجم القلق الذي ساور دوائر صنع القرار في (تل أبيب).
شاهد آخر شهدته الأيام الأخيرة تمثل فيما كشفته أوساط عسكرية إسرائيلية مؤخرا عن رفض البنتاغون طلبًا إسرائيليًّا لتزويدها بمعدات قتالية وأسلحة متطورة، قد تحتاج إليها في حال قررت تنفيذ هجوم كبير على المنشآت النووية الإيرانية، على اعتبار أن مثل هذا الهجوم بحاجة إلى إمكانات قتالية متقدمة لا تتوفر في (تل أبيب).
صحيح أن الاحتلال سبق له أن هاجم المشروع النووي العراقي في "تموز" 1981، وتكرر الهجوم في منشأة دير الزور السورية النووية في 2007، لكن هذه المشاريع لم تكن في حالة جاهزية وتطور كما هو الحال مع المشروع النووي الإيراني اليوم، والمنتشر في عدد من المدن الإيرانية، وفوق الأرض وتحتها، ما يضع تحديات جدية أمام سلاح الجو الإسرائيلي الذي قد يخوض مثل هذه التجربة للمرة الأولى في تاريخه العسكري.
تنبأ الإسرائيليون منذ بداية ولاية بايدن أن الأمور قد لا تسير على ما يرام بالنظر إلى خلافهما الأساسي تجاه الملف النووي الإيراني، وهو خلاف تقليدي بين الديمقراطيين الأمريكيين واليمينيين الإسرائيليين، حصل ذلك بين أوباما ونتنياهو، ووصل إلى ذروته في خطاب الأخير أمام الكونغرس؛ ما شكل انعطافة خطِرة في علاقاتهما.
يتكرر الأمر اليوم بين بايدن وبينيت، رغم أن الأخير، الذي يترأس ائتلافا هشاً، ويبدو معنيا ببقاء الدعم الأمريكي له، ولذلك فهو ليس معنياً أن يواصل تحدي واشنطن فيما يتعلق بطهران، ويحاول تحقيق التطلعات الإسرائيلية ضدها، دون الحاجة المباشرة للصدام مع ساكن البيت الأبيض.