فلسطين أون لاين

في نتيجة حتمية لـ (أوسلو) وما تلاها من اتفاقيات مع (إسرائيل)

تقرير خليل الرحمن.. انفلات أمني متصاعد تساهم فيه "فتح" والسلطة ويعززه الاحتلال

...
صورة أرشيفية
الخليل- غزة/ أدهم الشريف:

تعيش مدينة الخليل ظروفًا استثنائية منذ سنوات بسبب حوادث انفلات أمني شهدتها المدينة الواقعة في جنوبي الضفة الغربية المحتلة، ويخضع جزء منها تحت سيطرة الاحتلال بالكامل، في وقت وجهت مصادر ومتحدثون أصابع الاتهام إلى حركة فتح والسلطة برئاسة محمود عباس، بالتسبب بهذه الظاهرة الغريبة عن المدينة والتي تتعاظم بمرور الوقت.

ومن أحداث الانفلات الأمني التي شهدتها الخليل، ما تعرض له مرشح قائمة المستقبل الانتخابية الممثلة للتيار الإصلاحي في حركة "فتح" المحامي حاتم شاهين، من إطلاق نار على منزله ومكتبه بالمدينة في أبريل/ نيسان الماضي.

كما أن جريمة اغتيال قوة من جهاز الأمن الوقائي للناشط والمعارض السياسي نزار بنات، يوم 24 يونيو/ حزيران الماضي، خلال اعتقاله بشكل غير قانوني، شكلت واحدة من أبرز حالات الانفلات الأمني هناك، حيث لاقت ردود فعل غاضبة ما زالت مستمرة حتى اليوم.

أسباب الانفلات

لكن وبحسب المتحدثين في هذا التقرير، فإن أسبابًا عديدة أوصلت حال المدينة إلى هذا الحد، رغم أنها تحظى بأهمية تاريخية ووطنية وإسلامية. وتعد الخليل (42 كيلومترًا مربعًا) أكبر محافظات الضفة الغربية المحتلة، مساحة وتعدادًا سكانيًا.

ويقول مصدر من الخليل لصحيفة فضل عدم الكشف عن هويته خشية الملاحقة الأمنية لـ"فلسطين": إن "ظاهرة الانفلات الأمني في الخليل تعود إلى اتفاقيات السلطة مع الاحتلال التي تلت اتفاق (أوسلو) بين منظمة التحرير و(إسرائيل)، وبموجبها قسمت المدينة إلى مناطق (H1) و(H2)".

و"يقضي اتفاق الخليل أو ما يعرف بـ"بروتوكول الخليل"، الموقع بين السلطة و(إسرائيل) في 15 يناير/ كانون الثاني 1997، بتقسيم المدينة إلى قسمين؛ منطقة (H1) وتشكل 80% من مساحة المدينة وتخضع لسيطرة السلطة، ومنطقة H2 ومساحتها 20%، وتتركز في البلدة القديمة وسط الخليل، وتحتفظ (إسرائيل) بجميع مسؤوليات النظام العام والأمن فيها"، بحسب المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية "مسارات".

وأشار المصدر ذاته إلى أن "عصابات الإجرام في المدينة عندما تنفذ أي جريمة، تلجأ للاحتماء في المناطق التي يسيطر عليها الاحتلال المعني بتأجيج أحداث الانفلات وفوضى السلاح".

وبيَّن أن الوضع في الخليل أصبح عبارة عن روابط عشائرية لديها مسلحون منتشرون في أرجائها، بتعداد يفوق المئات، وهم موزعون في المناطق التي يسيطر عليها الاحتلال ومناطق سيطرة السلطة أيضًا".

وأشار إلى اجتماع عقدته، مؤخرًا، عشائر الخليل وتحدث فيه مسؤول "فتح" في المدينة عماد خرواط، المقرب من مخابرات السلطة، حيث توعد بتشكيل مجموعات مسلحة، ومنع مسؤولين في السلطة دخول المدينة.

لكن المصدر نفسه، عدَّ أن الهدف من هذه التصريحات "الاستهلاك الإعلامي فقط، لأن "فتح" نفسها تساهم في الانفلات الأمني، كما أن السلطة جزء من الفلتان، بتوفيرها الغطاء للجماعات المسلحة التي ينتمي غالبية أفرادها لحركة فتح والأجهزة الأمنية".

وذكر أن مسلحين من حركة "فتح" يغطيهم التنظيم تمامًا، نفذوا جرائم أطلقوا خلالها الرصاص، يحتمون في مناطق سيطرة الاحتلال الذي يوفر الحماية لهم ويحول دون اعتقالهم ومحاسبتهم.

وأضاف: إن "حركة "فتح" في الخليل جزء من الانفلات، لأن معظم تجار السلاح ومن يطلقون النار على الناس هم من أبناء التنظيم، والشواهد كثيرة على ذلك، ومنها حاتم شاهين، ونزار بنات، إضافة إلى تهديدات من أبناء "فتح" وحالات زعرنة ينفذها هؤلاء ضد العديد من الشخصيات".

انتقام عشوائي

وتحدث مصدر ثانٍ، فضَّل إغفال هويته أيضًا، عن حادثة انفلات كان السبب فيها مسؤول فتح بالخليل عماد خرواط، بعد محاولة أحد قيادات "فتح" ويدعى أبو شاهر القواسمي "كشف ملفات فساد أخلاقية ومالية، ونشر العديد من الفيديوهات عن ذلك".

ولأن ذلك لم يرُق لخرواط، فتوجه إلى منزل أسامة القواسمي الناطق باسم حركة "فتح" بصحبة عشرات المسلحين، اعتقادًا منهم أن أبو شاهر يختبئ عنده، لكن أجهزة أمن السلطة حضرت للمكان وحالت دون المساس بأحد، واعتقل جميعهم لدى جهاز الأمن الوقائي قبل أن تتدخل مخابرات السلطة وتمارس ضغوطها للإفراج عنهم جميعًا، وفق حديث المصدر الثاني لـ"فلسطين".

ويومها قال الناطق باسم فتح أسامة القواسمي، إنه تعرض لمحاولة اغتيال، خطط لها مسؤول إقليمي في حركة "فتح" ذاتها، واتهم حينها خرواط بالتخطيط لها.

وفي السياق، بين المصدر أن خرواط وغالبية قيادات "فتح" في الخليل مقربين من مخابرات السلطة وتربطهم علاقات قوية، وإن كانت الهيئة القيادية لحركة فتح قوامها 15 قياديًا، فإن 12 منهم على الأقل يتبعون المخابرات، وأن آخرين يتبعون جهاز الوقائي، أو شخصيات بارزة في فتح والسلطة.

ونبَّه إلى أن مدينة الخليل ونتيجة لحالة الانفلات الأمني، أصبحت تشهد حوادث إطلاق نار شبه يومية، وتستهدف شخصيات وممتلكاتهم خاصة بالمحلات التجارية، ضمن حالة من "تصفية الحسابات بين العائلات، وينتج عن ذلك عمليات انتقام عشوائي ضد أقارب الأشخاص المستهدفين".

ورفض المصدر مبررات السلطة بأن المسلحين ومنفذي الجرائم يحتمون بمناطق خاضعة لسيطرة الاحتلال (H2)، مشيرًا إلى أن حوادث إطلاق نار تشهدها أهم شوارع المدينة وعلى مقربة من مراكز ومقرات لأجهزة أمن السلطة.

كما أشار إلى أن جزءًا كبيرًا من السلاح تغطيه حركة "فتح" والسلطة.

واستدرك أن حركة "فتح" تتحمل مسؤولية ما يجري في الخليل من حوادث إطلاق نار، خاصة أن الغالبية العظمى من المسلحين ينتمون للتنظيم.

كما نبَّه إلى وجود انتقائية في فرض سيادة القانون، "بمعنى من له ظهر لا أحد يمسه، ومن ليس له ظهر يتعرض للمساءلة القانونية ويصادر سلاحه ويعتقل ويحاكم".

وبين أن ذلك جعل الوضع في الخليل أصعب من أوضاع أي مدينة بالضفة الغربية في وقت يركز الاحتلال استهدافه لها، وهذا ما يجعله معني بأحداث الانفلات الأمني.

وقال: يفترض أن يكون دور حركة "فتح" كابح لجماح الانفلات والتصدي له، لكن دورها أصبح جزءًا من اللعبة، تحقيقًا لمصالح أشخاص أو في إطار الصراعات الداخلية والتنافس بين معسكرات الحركة نفسها.

وتطرق ضمن حديثه إلى محاولة السلطة فرض الإغلاق الإجباري خلال جائحة "كورونا"، "لكن عائلة الجعبري تمردت على قرار السلطة، وأطلق أفراد العائلة التي لديها كتيبة مسلحين، النيران على عناصر جهاز الأمن الوطني التابع للسلطة، ورغم ذلك استقبلت السلطة وأجهزتها الأمنية كبار العائلة المتمردة وأفرادها في مكاتبها".

من جهته أكد مسؤول لجنة الدفاع عن أهالي مدينة الخليل هشام الشرباتي، أن كل هذه التصرفات والسلوكيات من الأجهزة الرسمية، يشجع عائلات أخرى ويحفزها على أن تسلك السلوك نفسه.

وشدد على أن دور حركة "فتح" والسلطة ليس حاسمًا بقدر ما هو انتقائي، ومكرس لصالح خدمة الأجنحة داخل حركة فتح، وفرض قوة أطراف داخل التنظيم على حساب آخرين.

وطالب بـ"العودة لسلطة القانون والتصدي لمحاولات كسر هيبة القانون من أي شخص يحاول ذلك، وعلى رأسهم السلطة نفسها، لأن ذلك يعطي هيبة للقانون، وأجنحتها التنفيذية".

سلاح المقاومة.. أين؟

من جانبه أرجع عضو المجلس الثوري لحركة فتح الانتفاضة عبد المجيد شديد، أسباب ما تشهده الخليل، إلى اتفاق (أوسلو) وما تلاه من اتفاقيات بين السلطة والاحتلال، ونتج عنها تقسيم مدينة الخليل إلى مناطق تخضع لسيطرة الاحتلال وأخرى للسلطة.

وبيَّن شديد في تصريح لـ"فلسطين"، أن المناطق التي تخضع لسيطرة السلطة توجد فيها عائلات شكلت مجموعات مسلحة تضم المئات، لحماية أنفسها وهذا خارج عن القانون، خاصة أننا عهدنا أن الفصائل تتسلح فقط للدفاع عن الأرض والمقدسات ومقاومة الاحتلال، وليس أن تتسلح العائلات ضد بعضها.

وتابع: "لم نتعلم على الإطلاق تشكيل عصابات مسلحة في الخليل من أجل إثارة الفتن والدموم بين العائلات، وهو ما يشكل سبب سعادة لكيان الاحتلال الذي يساهم في دعم هذه الظاهرة".

وأضاف: "هناك جماعات في الخليل يدعمها الاحتلال من أجل إبقاء الفرصة قائمة لخلق مشكلات ودموم عائلية تبعد الفلسطينيين عن الاحتلال الذي يواصل السيطرة على المزيد من الأراضي الفلسطينية".

وعدَّ أن "السلطة تتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية، وينبغي لها تشكيل قوة رادعة للخارجين عن القانون أصبحوا يشكلون جماعات مسلحة ترهب الأهالي".

واتهم مسؤولين في السلطة بالاستفادة من جماعات مسلحة في الخليل، والتغطية على أفعالها، مشيرًا إلى أن فعاليات ميدانية خاصة بحركة "فتح"، يشارك فيها عشرات المسلحين من أبناء التنظيم لإطلاق النار في الهواء، في حين يمنع على آخرين.

وإزاء ذلك طالب شديد بضرورة تطبيق القانون على الجميع و"دون ذلك سنبقى في مشكلة كبيرة".

ورفض عضو المجلس الثوري لحركة "فتح" عمليات الاعتقال التي تمارسها السلطة ضد من يحاول مقاومة الاحتلال، عادًّا هذه الظاهرة مشكلة كبيرة تحتاج إلى تدخل الفصائل بقوة لوضع حدٍ لها.