لا توجد كلمة توصف بها متابعة خطاب محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، سوى أنها مضيعة للوقت، هو نفسه يعلم ألا قيمة لكلامه عند القوى العالمية العظمى ولا عند الاحتلال الإسرائيلي ولا عند الفلسطينيين، الذين يدعي أنه الممثل الشرعي لهم، ولذلك اختصر على نفسه وألقى كلمته عن بُعد لعلمه المسبق أنه لن ينصت لحديثه أحد كما أظهرت الكاميرات العام الماضي في قاعة الاجتماعات.
هذه الكلمة التي ألقاها اليوم مكرورة ومكررة ولا تحمل أي شيء جديد، اللهم إلا ترديد كلمة الرباعية الدولية في أكثر من مرة في خطابه، وكأنها رسالة مبطنة للمجتمع الدولي أنني أقر بكل ما قالته لجنة مدريد الرباعية الدولية، وأن حركة حماس التي تحاولون أن تخففوا عنها الحصار في غزة لا تعترف بها، وكذلك تبدو أنها استجداء بأن حافظوا على سلطتي التي تقوم بواجبها على أحسن وجه تجاه (إسرائيل).
في الأثناء تجري لقاءات تطبيعية بين قيادات من السلطة في رام الله –من المؤكد أنها بعلم عباس- مع وزراء وأعضاء كنيست من الاحتلال الإسرائيلي، كمن يسب الشيطان في العلن ويطيعه في السر، غير أنه وصل إلى درجة الانفصام، فهو يسب (إسرائيل) في العلن ويطيعها كذلك في العلن، ما يعكس إصراره التغريد خارج السرب الوطني.
وكذلك في التوقيت نفسه الذي كان يلقي فيه عباس خطابه الممل، كان الأبطال يدافعون عن جبل صبيح، فارتقى منهم الشهيد محمد علي خبيصة، وقبله العشرات من الشهداء والجرحى، وهذا يدل على أن الشعب الفلسطيني لا يبالي بهذه الخطابات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ويواصل كفاحه وجهاده ضد المحتل الإسرائيلي، ويضرب هذه الترهات التي يلقيها عباس كل عام بعرض الحائط.
وهذا ما أكده آخر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية ومقره رام الله الذي أظهر أن غالبية المستطلعة آراؤهم 80%، يرغبون بإزاحة محمود عباس عن رئاسة السلطة الفلسطينية، في حين أظهر أن حماس هي الأجدر بقيادة الشعب الفلسطيني بنسبة تصل إلى 45%، وقبله بـ 3 أشهر أظهر استطلاع للرأي العام أجراه مركز أطلس للدراسات أظهر أن ما نسبته 73% من المستطلعة آراؤهم من الفلسطينيين، أن السلطة الفلسطينية أصبحت عبئًا على القضية والشعب الفلسطيني، وأن غالبية الجمهور (76.4%) رأوا أن منظمة التحرير لم تقم بدورها بصفتها ممثلًا شرعيًا ووحيدًا للشعب الفلسطيني.
وبعد إلغاء عباس الانتخابات التي هُزم فيها قبل أن تُجرى، حاول أن يخرج أمام الأمم المتحدة بشيء من بياض الوجه، فأعلن عن "شقفة" انتخابات مفصّلة على مقاسه ليضلل العالم بوجود أجواء ديمقراطية في الأراضي الفلسطينية، وهي في الحقيقة إقرار منه بأنه وفريقه فاقدون للشرعية ويبحثون عن "رائحة" شرعية حتى وإن كانت من خلال انتخابات لا معنى لها.
قد تأتي هذه الخطوة استباقية للخطوة التي أعلنها عضو التجمع الوطني الديمقراطي الفلسطيني عمر عساف بالتعاون مع أعضاء في فصائل وطنية فلسطينية وقوائم انتخابية بإطلاق عريضة للتوقيع للمطالبة بـ"إجراء انتخابات عامة، واحترام الحق في التعبير عن الرأي وضمان الحريات"، إلا أن خطوة السلطة تبدو في شكلها انتخابات وفي مضمونها التفاف على حقوق الشعب.
لكن لو جئنا إلى واقع الحالة الفلسطينية في هذا التوقيت وفي ضوء استطلاعات الرأي آنفة الذكر، بأن عباس فاقد للشرعية وعليه الرحيل، وأن حماس هي الأجدر بقيادة الشعب وتمثيله، فما الشرعية التي امتلكتها حماس وفصائل المقاومة وفقدتها فتح والسلطة ورئيسها؟
الشرعية الانتخابية التي تؤخذ من الانتخابات العامة والتي عطلها محمود عباس بعدما خشي الخسارة فيها، غير معروف لمن ستؤول، ولكن المعروف هو أنها لن تكون لعباس وفريقه، لأنه اعترف بخسارته بمجرد تعطيله الانتخابات بأي حجة كانت، وبالعودة لاستطلاعات الرأي فإن حماس سيكون لها النصيب الأكبر من هذه الشرعية إن جرت الانتخابات.
وبما أننا تحت الاحتلال فإن الشرعية الأخرى التي من الممكن أن تعطي الأحقية لقيادة الشعب، هي الشرعية الثورية التي لا تقتصر بكل تأكيد على أداء حركات التحرر في الماضي فقط، بل على استمرارية العمل الثوري ما دامت أهداف الثورة لم تتحقق بدحر الاحتلال وإقامة الدولة، وعليه فالناظر إلى حماس ومعها فصائل المقاومة من جهة وإلى فتح، يجد الفرق الواضح في الأداء الثوري، خاصة في العقدين الأخيرين، اللذين تزينا بمحطات عز سطرتها المقاومة بقيادة حماس؛ كإجبار الاحتلال على الانسحاب من غزة، وتحرير أكثر من ألف أسير في صفقة تبادل، والتصدي لحروب الاحتلال الأربع، والخروج منها بنصر متراكم، والحفاظ على سلاح المقاومة مشرعا.
وعليه فإن على حماس ومن معها من فصائل المقاومة أن تسعى لأن تتصدر المشهد السياسي بأي طريقة كانت، بناءً على شرعيتها الثورية، وألا تلهث وراء الدخول إلى منظمة التحرير التي عفا عليها الزمن، ولا بأس أن تبحث في أن تشكل جسما سياسيا حيًّا بديلا عنها، مع التأكيد أن تبقى ضاغطة على الزناد الذي منحها شرعية صادقة وحقيقية.