فلسطين أون لاين

​مسحراتي مخيم اليرموك يوقظ أهل خانيونس

...
غزة - هدى الدلو

يضبط ساعته البيولوجية على الثانية والنصف صباحًا، وعلى عجل يرتدي جلابية وعباءة تراثية وطاقية كما كان في سوريا، حاملًا فانوسًا رمضانيًا، ويمسك بيده طبلة صغيرة، وعصا ليتجول في شوارع حي قيزان النجار في الجنوب الغربي من خانيونس، بصوت ألِفه أهل الحي وبلهجة سورية، فلم يتنازل اللاجئ الفلسطيني نزار الدباس (43 عامًا) عن ممارسة هوايته في إيقاظ الناس على موعد السحور.

فعلى مدار خمسة عشر عامًا وهو يتولى مهمة المسحراتي كهواية في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سوريا، ليعود في بداية عام 2000 برفقة عائلته المكونة من عشرة أشخاص إلى قطاع غزة، وبالرغم من اختلاف الظروف والأجواء الرمضانية بين سوريا وغزة إلا أنه لم يتخلَّ عن مهنته التي يجد فيها حلاوة رمضان، وبهجته، وتضفي له سعادة هائلة تعيد إليه ذكريات سوريا.

وقال الدباس: "صوتي يجد قبولًا بين الناس واستحسانًا وخاصة الأطفال الذين يخرجون من بيوتهم ليقدموا لي بعض الطعام والشراب والتمر، ويفتقدني أهل الحي في حال غيابي عنهم ليوم فقط، فقبل إقبال شهر رمضان كان يسأله الناس عما إذا كان سيوقظهم على السحور هذا العام، أم سيتركهم يصومون دون سحور"، فيعدّونه من يضفي أجواء مميزة بمهنته الموسمية لشهر رمضان.

سوري غزي

وعندما انتقل للعيش في غزة انصياعًا لقرار والده، وحمل معه في جعبته الكلمات التراثية التي كان يرددها في شوارع وأزقة مخيم اليرموك، فكان يخرج بصحبة صديقه وكل واحد منهم يتولى مهمة منطقة معينة، كانا يضفيان بهجة ذات مذاق مميز على أهالي المخيم، ويضيف: "رمضان في سوريا له طعم آخر، وأجواء خاصة تختلف كليًا عن تلك الموجودة في غزة، وبالتحديد ما يتعلق بالمسحراتي".

ولد الفلسطيني الدباس في سوريا، وعاش فيها مع أهله سبعة وعشرين عامًا، فأخذ من عاداتهم، وتعلم لهجتهم، واكتسب من خبرتهم في الحياة، وفي ذات يوم خرج مع صديقه "سليمان" الذي كان يعمل بمهنة المسحراتي في شهر رمضان المبارك، فأعجبته المهنة التي أصبحت بالنسبة لديه هواية مارسها في سوريا إلى جانب عمله ككهربائي.

ويتابع حديثه: "أهل سوريا يعشقون المسحراتي وذلك كان دافعًا كبيرًا وأساسًا للاستمرار في العمل مدة 15 عامًا متواصلة، كما أنها منتشرة بصورة كبيرة في مدن ومخيمات سوريا، وخاصة أن له لباسًا خاصًّا، وفي آخر رمضان كنا نتلقى من أهالي الحي الهدايا العينية، أو العيدية في يوم عيد الفطر كما يفعل أهل غزة".

وأوضح الدباس أنه عندما قدم إلى غزة، لم يتمكن من ممارسة هوايته، بسبب تقلب أوضاعه المادية وعدم استقرارها، وبعد عدة أعوام عاد لها تدريجيًا كنقل تجربته في سوريا وإسقاطها على غزة.

ومن الجمل التي يرددها لإيقاظ الناس، "اصحى يا نايم وحد الدايم، سبح بحمد الله، العمر مو دايم، على البرغوت معاني، نط وعشعش بأذاني، عفرت جاب ولاد أخته، ولاد أخته للشجاعني، اثنين بطبلوا بلطباق، اثنين بزمروا بالمزمار، رقصوني الشيالة، استغفر الله ما بكذب، كل عام وأنتم بخير.."، وأيضًا: "سبحانك سبحانك ربي ما أعظم شانك، من فضلك وإحسانك، نجينا من نارك، اصحوا يا عباد الله، اصحى يا نايم، يا نايم مالك دايم، قوموا على سحوركم، أجى رمضان يزوركم؛ يا نايم وحد الدايم، يا نايم وحد الله، أفلح من وحد الله، صلى على رسول الله، وحدوه يا عباد الله، اصحى يا نايم، قوموا على سحوركم، ليلة القدر خير من ألف شهر، رمضان كريم، قوموا صلوا على النبي، كل عام وأنتم بخير..".

ألم ووجع

ويسترجع الدباس الذكريات الجميلة والتي أصبحت بالنسبة له موجعة في سوريا، حيث كانت تربطه علاقات قوية مع الجيران، وحالة التلاحم والتكافل والترابط فيما بينهم، والأكلات السورية الشهية التي تحتل مكانًا خاصًا على موائد السوريين في رمضان كالكبة بأنواعها والفتوش والتبولة، وجمعته مع أشقائه الذين تركهم هناك، متمنيًا العودة إلى مخيم اليرموك رغم كل الأحداث الدائرة والحرب الذي حولته إلى دمار وخراب.

وبالرغم من أوضاعه المادية الصعبة إلا أنه لا يتقاضى من وراء عمله في مهنة المسحراتي أجرًا، بل يحتسبه عند الله، فيعدّه بوابة البهجة والسعادة للناس، إلى جانب أنها مظهر أساس في شهر رمضان المبارك.