فلسطين أون لاين

تقرير أبو سويرح.. حكيم يدخل البهجة إلى قلوب مرضاه

...
غزة/ هدى الدلو:

يدندن الحكيم تيسير أبو سويرح في أذن مريضه ببضع كلمات محاولًا إضحاكه ليخفف عنه وجعه الجسدي والنفسي.

يبدأ أبو سويرح نهاره برداء التمريض الأبيض، وينهيه بآخر تراثي تقليدي تحمل خيوطه الهوية الفلسطينية.. "القمباز" ذلك الرداء الطويل المفتوح من الأمام، ضيق من الأعلى ويتسع من الأسفل، ويرد أحد جانبيه على الآخر، و"السروال" والحطة البيضاء على رأسه ليحيي حفلات الدحية، ويرى أنه بكلا العملين يدخل البهجة والسرور إلى القلوب.

والحكيم البدّيع (41 عامًا) من سكان بلدة الزوايدة الواقعة في وسط قطاع غزة، متزوج ولديه من الأبناء خمسة، يعمل حكيمًا منذ ثلاثة عشر عامًا في قسم العناية المركزة بمستشفى شهداء الأقصى.

منذ طفولته كان صوت الحفلات الشبابية في محيط سكنه يغريه للذهاب هناك ويحجز كرسيًّا لحضورها من أولها حتى آخرها حتى بات يتقن العزف على يرغول، وهي أداة عزف تراثية من الطراز الأول تصنف ضمن الآلات الهوائية.

يقول أبو سويرح لصحيفة "فلسطين": "اكتشفت موهبتي في كتابة الشعر، ولكني لم أفصح عنها لأحد، وباتت في مكامن صدري، وأحيانًا أفصح عن القليل منه أمام أصدقائي حتى باتوا يحرجوني أمام الناس، واستطعت بذلك كسر حاجز الخجل".

أحب العزف على اليرغول ولكنه لم يجد من يعزف ويغني معه على النسق والإيقاع ذاته، فلجأ إلى الغناء مع شقيقه، ولما لم يستهوِه الأمر عمل على تكوين فرقة خاصة به لارتباطه وتعلقه بالدحية، ليعبر فيها عن الأصالة والانتماء للمجتمعات البدوية، فقد تبدو الكلمات الخاصة بها غير مفهومة للبعض لعدم درايتهم وخبرتهم باللهجة البدوية.

يضيف أبو سويرح: "أقف على منصة الحفل مرتجلًا أدحي وأبدع وهو نوع من أنواع الشعر، رغم أن بداياتي كانت صعبة، لأقول فيه كلامًا ارتجاليًّا دون تحضير مسبق ولم يكن قد قيل من قبل، يحمل مضمونه أحيانًا مدح لصفات أهل البدو، ووصف للبادية والخيل وأمور حياتهم المختلفة، وذلك بعدما اعتدت الوقوف أمام الجمهور".

ولم تمنعه هواية إحياء الحفلات من إكمال دراسته الجامعية في كلية التمريض، وعمله حكيمًا في المستشفى إذ يعتقد كثيرون أنه يمتهن الدحية فقط، "ولكني أمارس عملي في خدمة الناس نهارًا بالتخفيف من أوجاعهم، وليلًا بإدخال السرور والبهجة إلى قلوبهم".

وبينما كان أبو سويرح يضمد جراح أحد المرضى المستلقين على سرير المشفى أخذ يدندن في أذنه محاولًا إضحاكه ليخفف عنه وجعه الجسدي والنفسي، ويقول إنه يحاول تغيير نظرة المجتمع نحو محيي الحفلات الشبابية التي تلاحق بعضهم نظرة سيئة.

وفي السادسة من عمره أصيب بطلق ناري في منطقة الحوض، وأجرى العديد من العمليات الجراحية التي تركت أثرًا في جسده متسببة بقِصر عظمة الساق التي لم يُحرج منها يومًا كما يؤكد، "فالحمد لله أستطيع أن أؤدي جميع المهام المطلوبة مني على أكمل وجه، ولا تعوق حركتي وسرعتي في العمل، وأحيانًا أشعر ببعض التعب بسبب الضغط والإجهاد"، وفق حديثه.

ورغم حبه للعمل الفني كبداع فإن مشقة التعب في النهار والليل جعله يفكر مرات عديدة باعتزال هذا الفن، غير أن ما يمنعه أن الدحية البدوية لون تراثي يرغب الفلسطينيون في سماعه ويترددون على الحفلات للاستمتاع به، ولذلك سعى لتطوير الدحية وإدخال آلات موسيقية كالأورغ وكان أول من يدخلها إلى غزة، وفق قوله.

ويوضح أبو سويرح أنه حتى هذا اليوم يهتم بألوان التراث الفلسطيني فلا تزال ملامح حياته تحمل أصالة البداوة ورموزها التي يعتز بها، مؤكدًا أن "نظرة الناس لك يحكمها احترام لنفسك ولمن حولك، فلا أبحث عن حياة الشهرة والمال، ولكني أحب عيش الحياة على بساطتها".

المصدر / فلسطين أون لاين