في شهر رمضان يتبدل ليل القدس عن غيره من الأشهر، فحاضرة العالم الإسلامي في غير شهر رمضان تتحول إلى مدينة أشباح يتجول فيها خفافيش الليل من جنود الاحتلال والمستوطنين الذين قاسموا المقدسيين في منازلهم وحولوها إلى ثكنات عسكرية.
منذ ساعات الصباح الأولى من يوم الجمعة وباقي أيام الأسبوع من شهر رمضان يتحول ليل القدس إلى خلية نحل دائمة الحركة، فجميع أبواب القدس الثمانية ما عدا باب المغاربة المغلق تعلوها الزينة الرمضانية، ويقف جنود الاحتلال على جنبات باب العامود حتى نهاية طريق الواد الذي ينتهي عند أبواب السلسلة والقطانين وباب الحديد وباب الناظر أو المجلس.
التاجر المقدسي أيمن الزغير بالقرب من بداية طريق الواد شريان البلدة القديمة يقول لفلسطين: "من يشاهد ليل البلدة القديمة في غير رمضان لا يصدق أن فيها حياة، فمع غروب الشمس نغلق المحلات ونذهب إلى بيوتنا، فلا زبائن في الطرقات سوى جنود الاحتلال ومجموعات المستوطنين، بينما في شهر رمضان يختلف الوضع اختلافًا كليًا، فالقدس تعود لنا من جديد ويذوب الجنود والمستوطنون بين جموع المصلين القادمين من كل أنحاء فلسطين".
الخبير المقدسي د. جمال عمرو شرح لفلسطين كيف تكون القدس في رمضان وقال: "عندما كانت تذكر القدس كان يتبادر إلى الذهن المدينة التي لا تنام، فهي المدينة المستيقظة على مر التاريخ ومع قدوم الاحتلال وتشديد الإجراءات الأمنية على المقدسيين، وفرض الحالة البوليسية على المدينة المقدسة وقلبها النابض البلدة القديمة تحولت المدينة إلى مدينة تنام مبكرًا وكأنها مدينة مهجورة من الأحياء، فحال المقدسيين في رمضان يعود إلى العهد القديم من النشاط والحيوية والحياة وفي غير رمضان تصاب المدينة بالشلل ويقال مقولة "كان هنا حياة".
ويضيف: "في شهر رمضان يتم رفد المدينة بملايين الوافدين، ففي كل جمعة رمضانية يزيد العدد على ربع مليون وافد، وفي أربع جمع رمضانية يدخل القدس أكثر من مليون وافد على الأقل، هذا عدا عن الأيام العادية وليلة القدر، ففي رمضان تكون القدس حاضرة العالم الإسلامي بامتياز".
المقدسي عادل صيام، الموظف في مكتبة خالد بن الوليد في منطقة باب الواد يقول لفلسطين: "في شهر رمضان نشعر بأننا أصبحنا في مدينتنا، فهي مخطوفة على مدار الساعة، ويخشى الجنود المدججون بالسلاح من زوار القدس ويتجنبون الاختلاط بهم، وتبقى الحياة فيها إلى ما بعد صلاة التراويح حتى حلول موعد السحور، فمدينة القدس منكوبة بامتياز، وشهر رمضان بمثابة الأكسجين اللازم لبقاء الحياة فيها".
عند باب القطانين وهو أحد الأبواب المستهدفة في بداية كل شهر عبري، حيث يقوم المستوطنون بتأدية صلوات تلمودية ورقصات دينية، يقول أحد التجار المقدسيين وعرف بنفسه "أبو طارق" خوفًا من ملاحقة الشرطة الإسرائيلية له: "كل شيء عندنا في بداية الشهر العبري محظور ونجبر عل إغلاق محلاتنا لإتاحة المجال للمستوطنين بتنفيذ فعالياتهم الدينية، بينما في شهر رمضان تعود الحياة لهذا السوق التاريخي الذي يطل على قبة الصخرة المشرفة بشكل واضح وقريب، لذا فقطعان المستوطنين يستغلون موقع الباب لتنفيذ فعالياتهم التحريضية ضد قبة الصخرة والمسجد الأقصى، وفي شهر رمضان ينقطع دابرهم في الليل والنهار ولا نراهم، وهذا الأمر يزيد من سعادتنا المفقودة على مدار العام، يقول أبو طارق، ويضيف: "لا شك في أن شهر رمضان يشكل حماية لكل تراثنا الإسلامي في المدينة المقدسة، وقدوم المصلين ينعشنا اقتصاديًا ويدعمنا نفسيًا، ويحول مدينة القدس إلى مدينة محررة ولو لفترة قصيرة".
ويبكي عيسى المغربي ممن تبقى من الجالية المغربية في القدس في لقاء مع فلسطين على حال باب المغاربة المغلق منذ عام 1991، والمحروم من الزينة الرمضانية ويقول: "كل أبواب المسجد الأقصى في رمضان تزدان بالزينة الرمضانية إلا باب المغاربة الذي يستخدم لاقتحام المسجد الأقصى، فمنطقة باب المغاربة مظلمة وباقي الأبواب مضيئة".