في محاولة جديدة لإضفاء شرعية الاحتلال الإسرائيلي على النشاطات الاستيطانية، وسرقة أراضي المواطنين الفلسطينيين تحت ما يسمى قانون "تسوية التوطين في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)"، والمعروف بقانون "التسوية" الذي صدق عليه (الكنيست)، وأطلق يد حكومة الاحتلال مطلع هذا العام لبناء 2600 وحدة استيطانية جديدة هذا العام في الضفة الغربية، وهو ما لقي إدانة من الأمم المتحدة.
أتوقف قليلًا عند إدانة مجلس الأمن الدولي للاستيطان، وأتساءل: هل من طائل من هذا؟!، أم أن الإدانة الدولية مثلها مثل سابقاتها من القرارات التي بقيت حبرًا على ورق، وإذا أردت فقل ألقي بها في سلة المهملات، ما دفعني إلى هذا الاعتقاد هو أن الاستيطان مستمر بوتيرة متسارعة دون أي توقف أو تأجيل عملًا بقرارات مجلس الأمن، فكم قرار أممي أدان الاستيطان بداية بالقرار قبل الأخير بتاريخ 23 ديسمبر 2016م، ويحمل رقم (2334)، وصوت عليه بأغلبية!، وللتوضيح: لا يعد هذا القرار الأول من نوعه، بل سبقه العديد من القرارات الأممية التي تدين الاستيطان، منها ثلاثة قرارات صدرت عن مجلس الأمن مررت دون استخدام حق النقض (فيتو)، من بينها قرار مجلس الأمن رقم (446) لسنة 1979م، الذي أكد أن "الاستيطان ونقل الإسرائيليين إلى الأراضي الفلسطينية (أراضي الـ67) باطل وغير شرعي"، وقرار مجلس الأمن رقم (452) لسنة 1979م الذي أكد أهمية وقف الاستيطان حتى في القدس، وعدم الاعتراف بضمها، وقرار مجلس الأمن رقم (465) لسنة 1980م الذي دعا إلى تفكيك المستوطنات.
عانى شعبنا الأمرين من الشرعية الدولية، التي أجحفت بحقه تاريخيًّا، بسب إصدارها قرار تقسيم فلسطين وقبول عضوية الكيان العبري في الأمم المتحدة، وعدم قيام الدولة الفلسطينية، وعدم مساءلة الكيان مع عدم التزامه بشروط عضويته في الأمم المتحدة تلك، وبغيرها من القرارات والالتزامات التي أقرتها الشرعية الدولية ويفرضها القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، لهذا السبب توجس الفلسطينيون من "الشرعية الدولية"، وما زالت بقايا هذه التوجسات قائمة إلى يومنا هذا.
وقد شهدت الشرعية الدولية تحولًا لمصلحة فلسطين في سبعينيات القرن الماضي، وأصدرت المنظمة الدولية منذ عام 1974م العديد من القرارات على مستوى الجمعية العامة ومجلس الأمن لمصلحة فلسطين، التي أكدت الحقوق المشروعة الثابتة وغير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني (الحق في تقرير المصير وحق الاستقلال والسيادة الوطنيين وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم)، كما جاءت نصًّا واضحًا في القرار (3236) لعام 1974م، فلما كان النزاع يهدد السلم والأمن الدولي _بحسب المادة (36) من ميثاق الأمم المتحدة_ يستطيع مجلس الأمن أن يصدر قرارًا إلزاميًّا لا توصية، لأن الأمر أشد خطورة مما هو وارد في المادة (36) حسب ما فسره في قرار محكمة العدل الدولية.
في مواجهة هذا الوضع، وفي ظل المأزق الذي وصلت إليه المفاوضات من مدة ليست بقليلة، ومع وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، الذي عبر هو ومساعدوه في الحملة الانتخابية عن مواقف داعمة للاستيطان ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس؛ كان لابد من التوجه إلى المنظمة الدولية، وحث المجتمع الدولي على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أجل إلزام الاحتلال بالقرارات الدولية لإيقاف الاستيطان.
ويذكر أن أحد دوافع "مؤتمر باريس للسلام" الذي قامت عليه فكرة "المبادرة الفرنسية" هو الخوف من أن الاستيطان الذي عد تهديدًا للأمن والسلم الدوليين لا يترك مجالًا لوجود دولة فلسطينية قابلة للحياة، لكن حكومة نتنياهو مع أنها أبدت تخوفًا من احتمال أن تقدم إدارة أوباما في أواخر أيامها على تأييد مشروع قرار يدين الاستيطان في مجلس الأمن الدولي، أو غض النظر عنه؛ تصرفت بعنجهية، مستقوية بمواقف بعض حلفائها العرب، وبوجود ترامب في البيت الأبيض.