قال ناصر القدوة رئيس الملتقى الديمقراطي في ورشة نظمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات): "ما لدينا الآن لا علاقة له بأوسلو.. ما لدينا شيء جديد يمكن أن نسميه (روابط مدن)!" وقال: "أنا لا أرى برنامجًا للتسوية، ولا برنامجًا للمقاومة، نحن نتحدث أنه لم تعد هناك اتفاقات أوسلو، ولم يعد هناك حكم ذاتي، فالموجود روابط مدن. أما برنامج المقاومة فهو دفاع عن الذات، ومحاولة تغيير علاقة القوة بين حماس (وإسرائيل) فيما يتعلق بقطاع غزة"!
قرأت ما قاله القدوة في الورشة فوجدته بشكل عام مسكونًا بالغموض والاضطراب، ونقدًا للواقع الموجود دون طرح بدائل حقيقية. المشكلة عنده في الطرح أنه كان فيما تقدم من الزمن جزءا أساسيا من أوسلو، وحمل أوسلو لغيره (بالباع والذراع) كما يقولون بالبلدي، والآن هو ينتقده بشدة، ويرى أن الموجود من أوسلو لا يتجاوز روابط مدن، على غرار روابط القرى التي أوجدها المحتل في انتفاضة الحجارة في قرى الضفة، ووقفت منها فتح موقف الرفض والعداء حتى أفشلتها.
أنا أوافق القدوة في توصيف الموجود بأنه لا يتجاوز فكرة روابط القرى القديمة، ولكن بشكل موسع نسبيا، ولكن لا أوافقه في عديد من الأمور التي طرحها، ومنها الزعم أنه لا يوجد برنامج مقاومة، وأن الموجود دفاع عن الذات لتغيير علاقة القوة بين حماس (وإسرائيل)! ذلك أن برنامج المقاومة ليس لحماس وحدها أو لغزة وحدها، بل هو برنامج لغزة والضفة والقدس، وهو لكل فلسطيني أيضًا. برنامج تغيير القوة هو عمل صحيح وموجب، ولو كانت الضفة كغزة في المقاومة لكان برنامج المقاومة أكثر نجاعة وفائدة، ولحق البرنامج مصالح الفلسطينيين بشكل إستراتيجي، يتفوق على كل ما حققه أوسلو.
برنامج المقاومة الذي تطرحه غزة ليس للطعام والشراب، بل للحرية وتقرير المصير والأسرى. فهو برنامج يجدد الطرح الوطني الذي نشأ مع نكبة فلسطين، وسارت فيه فتح دهرا، قبل أن تغرق في رمال أوسلو. فهو ليس برنامج دفاع عن الذات، بل هو دفاع عن الوطن، وعن الحقوق الوطنية السيادية، وفي مقدمتها الحق في تقرير المصير.
إن كل مكون جديد يمكنه نقد المكونات الموجودة والإزراء بها، لكي يجد له مساحة قبول، ولكن نقد الموجود وحده لا يكفي للعثور على المساحة المطلوبة، بل لا بد من طرح بديل عن المقاومة وعن أوسلو، أو عن واحد منهما، أو الدمج بينهما، وإلا فَقَدَ الناقد للموجود مبررات وجوده ونقده.