فلسطين أون لاين

المنشد "الأحمد": المزاج الفني بين الأجيال يختلف ولا بد من كسر الحائط

...
صورة أرشيفية
حوار/ يحيى اليعقوبي:

في صوته تتلاحم عذوبة الصوت الجبلي مع جمال المفردات، بارعٌ في التحكم بالمقامات كآلة موسيقية تعزفُ سمفونية، من جبال "طرابلس" في لبنان ينشد لفلسطين محلقًا في سمائها، تلهب ألحانه حماس مستمعيه يحملهم على الوقوف على أسوار القدس ممجّدًا مقاومة غزة وأصالة الفلسطيني، مواكبًا حداثة الوسط الفني ليبقى الجيل ملتفًّا حول كلماته.

وقلَّما تجتمع في فنان القدرة على كتابة الكلمات وتلحينها وغنائها، لكن المنشد إبراهيم الأحمد يجيد ذلك ويفعله في كثير من أناشيده. يقر بأنه ليس "شاعرًا" لكن أبجديته تسعفه بكلمات "عميقة المعنى، والدلالة، والأثر".

وينتمي المنشد اللبناني إلى مدينة طرابلس وهو متزوج ولديه من الأبناء أربعة (أحمد، وشهد، وشام، وأنس)، يعمل في التجارة العامة ويسكن مخيم "نهر البارد".

يحرص ابن الثالثة والأربعين عامًا في انتقاء أناشيده على تلبية رغبات الجيل الجديد بكسر رتابة الأناشيد القديمة، فدخل إلى "الراب" بأغنية "إنك رمز الصمود" وفي كلماتها غنّى: "تقدم لأنك رمز الصمود.. لأنك في الكون رعب اليهود، بضربٍ ونحرٍ ببرٍ وبحرٍ.. زمن التخاذل ولّى لن يعود".

ويرى الكثير من المستمعين إلى صوت المنشد الأحمد أنه جزء من معادلة رفع الروح المعنوية للشعب الفلسطيني، "وهذا شعور جميل جدًا أفتخر به لأكون صوتًا للأحرار بغزة وفلسطين وصوتًا للمسجد الأقصى".

ويزيح الأحمد الستار عن كواليس آخر أناشيده "نصر نصر" التي أطلقها أثناء معركة سيف القدس في مايو/ أيار الماضي، حيث تباينت ردود الفعل ونالت منها الكثير من التعليقات السلبية بقدر التفاعل إيجابيًا معها: "كانت نقلة نوعية لي، كما كانت معركة سيف القدس نقلة نوعية للشعب الفلسطيني".

ويتابع: "كنت أستقل السيارة، وفجأة بدأت كلمات الأغنية تترابط بذهني وتطل عليّ، ثم رددت بعض كلماتها فتكونت البداية، وتباعًا جاءت بقية الكلمات، على الفور اتصلت بالاستديو وطرحت الأغنية، وذهبت لتسجيلها".

ويضيف: "الحقيقة كنت متفاجئًا من حجم الانتشار.. دخلت قلوب الشباب وإلى كل بيت فلسطيني، يرددها الكبار والصغار وأصبحت تريندًا"، مشيرًا إلى أن أبجديته تسعفه وتمده بالكلمات المفتاحية الأولى واللحن، كأنشودة ابن المخيم".

يتوقف عن لحظات إعدادها: "اتصل أشخاص من مخيم النهر البارد، وطلبوا مني كتابة وغناء أنشودة عن المخيم، وقبل أن تنتهي المكالمة الهاتفية معهم كانت كلمات الأنشودة حاضرة في ذهني "أنا ابن المخيم أنا بالأقصى متيم، وقد تشارك في إنشادها معي المنشد أحمد فؤاد وثالث من نهر البارد".

وبالنسبة له أهم شيء هو أن يخرج بالأنشودة بمطلع قوي يأسر به قلوب المستمعين قبل آذانهم، "فالمطلع القوي بخطف الأنظار".

صاحبة القلب

ومن سجله الإنشادي الحافل يميل قلب الأحمد إلى أنشودة إذا سكت الزمان عن المظالم التي أنشدها بصحبة فريق الوعد، قائلا: "هذه أنشودتي المفضلة، وقد تركت بصمة في حياتي، أحبها وأعشقها".

أما عن انجذاب الجيل الشاب إلى الإيقاع العالي وعزوفه إلى حد ما عن الطبقة الإنشادية القديمة، وقدرة الأحمد على المناورة بين المساحتين، فيقر بأن "الموضوع حساس جدًا، لكنه يحتاج إلى قوة قلب وعزيمة، والحقيقة أن النمط الذي نشأ عليه جيلنا منذ عشرين سنة لم يتغيّر وربما يبعث على الممل بالنسبة للجيل الشاب".

ويصر الأحمد على كسر جدار رتابة الأناشيد القديمة، "لأن المزاج الفني ما بين الجيل القديم والجديد يختلف، ونحن في معركة فنية قوية ولها رسالة"، مشيرًا إلى أنه أحدث فتحة في الجدار بإنشاده الراب في "لأنك رمز الصمود" التي بلغ عدد مستمعيها نحو مليار، "حتى أن الاحتلال أصبح يعتقل من يستمع لها"، كما يقول.

ومضى إلى القول: "أستخدم الكلمات الجميلة واللحن القوي الذي يؤثر ويرسخ بالوجدان، وبذلك دخلت إلى الراب في "نصر نصر"، وكسرت روتين الإنشاد القديم، صحيح أن هناك تعليقات سلبية ولكن أغلب جمهوري من الجيل الشاب".

أسوأ الأيام

ورغم طلبات الإنشاد الكبيرة، يقسّم الأحمد أوقاته ما بين العمل الإنشادي، والتجاري، وتربية أبنائه الذين يقدرون حجم الضغط "فهم يعلمون أن القضية الفلسطينية يجب أن نقدم لها، أعلمهم أن هناك أناسًا في فلسطين يقدّمون أرواحهم، فيما نحن نقدم أصواتنا وهذا جهد المقل"، وإن بح الصوت ففداء للقضية".

والأحمد، لبناني الجنسية فلسطيني الهوى، حتى أنه يعيش بمخيم "نهر البارد"، وحسبما يرى "الفلسطينيون يعانون في لبنان معاناة كبيرة، بل يعتبر هذا العام أصعب وضع يمر على الفلسطينيين في لبنان".

يدخل في قلب المعاناة أكثر: "نعيش في لبنان في ظل انهيار كبير لليرة اللبنانية، وهي أسوأ أيامنا في الحياة، لأزمة تطال البنزين، والماء، والمازوت، والكهرباء، والغاز، وتطال الخبر وهناك أزمة على الأفران، وكل شيء نريد إحضاره من مقومات الحياة في لبنان يجب أن نصطف بالطوابير، بل إن الشعب اللبناني يطلب التدخل الدولي لانتشاله من هذا الوضع التعيس، ونكاد لا نجلس مع العائلة، أغلب أوقاتنا نمضيه حتى نلبي تلك المتطلبات".

وفي ختام حديث فلسطين مع المنشد الأحمد، أبرق بتحياته من جبال لبنان إلى فلسطين وغزة: "قل هذه أرضي وأرض الجدود.. وتاريخ مجد ليوم الخلود.. وفيها أقاوم، لا بيها أساوم .. بلغ إني قادم أحبار اليهود".