أظهرت نتائج الانتخابات لنقابة المهندسين التي أُجريت في الضفة الغربية قبل يومين، واقع الحال في الضفة الغربية والتوجه والمزاج الشعبي العام، إلى جانب المزاج السائد لدى طبقة مثقفة ومهنية مهمة، وخاصة أنها الانتخابات الأهم التي تُجرى منذ مدة في الضفة الغربية في ظل حالة التغييب لأي شكل من الانتخابات، وإلغاء الانتخابات في مايو الماضي، واغتيال الناشط والمعارض نزار بنات من قبل السلطة على خلفية آرائه ومواقفه الوطنية.
على رأس الفائزين؛ المهندسة والناشطة المجتمعية المعروفة ناديا حبش التي سحلتها واعتدت عليها الأجهزة الأمنية، قبل أيام وسط رام الله، بتوجيهات مباشرة من قادة الشرطة ومحافظ رام الله ورئس الحكومة محمد اشتية.
فوز حبش هو دلالة بحد ذاته على الالتفاف الذي يحظى به هؤلاء الأشخاص في الضفة الغربية ودعمهم وتأييد مواقفهم من عامة الجمهور، في ظل حالة التغول التي تشنها الأجهزة الأمنية ضد المعارضين والمقاومين.
الجانب الأهم أن الفائزة حبش تلقت دعمًا واسعًا من حركة حماس وقطاعها النقابي، وقد فضلت حماس دعم مرشح محسوب على اليسار، في تعبير على البراغماتية التي تتعامل معها حماس في المجتمع، وخاصة على البعد السياسي والنقابي، حيث تتمتع بحضور قوي في ذلك، وكذلك تعبيرًا عن التطور المهم في الرؤية السياسية لحركة حماس خلال السنوات الأخيرة القائمة على تعزيز التحالف الوطني ضمن رؤية تعزيز المشروع الوطني، ويمكن القول إنها حققت إنجازات كبيرة في ذلك، انعكست على المواقف الموحدة في المطالبة بإجراء الانتخابات وضرورة إعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني، إلى جانب وحدة وتماسك المقاومة في المواجهة الأخيرة.
الفوز هو نتاج معركة سيف القدس التي وحدت الشارع الفلسطيني بمثقفيه وقطاعاته المختلفة في وجه الاحتلال، وعززت الروح الوطنية الجماعية في وجه التنسيق الأمني الذي تقوده السلطة، وأحد تجلياته هو إقصاء الأصوات الفلسطينية المطالبة بالحريات، والاعتداء عليها ومطاردتهم واعتقالهم، وخاصة الأسرى المحررين، والشعراء والأدباء والنشطاء والإعلاميين.
في المقابل تعرضت فتح لخسارة كبيرة، وتكاد تكون غير مسبوقة، نتيجة انفصامها عن بعدها الجماهيري والشعبي، ومشاركتها وصمتها تجاه ما يحدث في الضفة الغربية من تفرد لرئاسة السلطة في القرارات والمواقف، والاعتداءات على المواطنين، وانحسار القرار الفتحاوي في فئة بعينها بعيدا عن القاعدة الشعبية لحركة فتح.
السقوط المدوي لفتح أظهر حالة الضعف والوهن الذي تعانيه، نتيجة غياب الحالة الديمقراطية داخل صفوف حركة فتح ذاتها، بعد إقصاء الأصوات المعارضة داخلها، وانتقل لكل معارضيها بالاغتيال والاعتقال والمطاردة.
القراءة الأولية للنتائج تظهر ما كانت تخشاه قيادة السلطة، وهو فوز حماس والكتل الأخرى في الانتخابات العامة في حال إجراءها، وأن هروبها الدائم من الانتخابات لن يغير من حقيقة الواقع، بل ستكون أمام خسائر متجددة في الضفة وبين صفوف اللاجئين والجالية الفلسطينية في الخارج، كما شاهدنا الالتفاف الشعبي الفلسطيني والأردني خلف قيادة حماس وهتافاتهم للمقاومة، وهو ما شاهدناه في زيارة لبنان قبل أسابيع، في تعبير حقيقي عن صعود مشروع المقاومة وانحسار وانهزام مشروع التسوية، والرهانات الخاسرة على الاحتلال والولايات المتحدة.