انتهى مؤتمر الشراكة والتعاون في بغداد قبل أيام المؤتمر حضرته إلى جانب العراق مصر والسعودية وقطر والإمارات وإيران وتركيا وفرنسا. المؤتمر يستضيف شركاء كانوا متشاكسين، فهل تصالحوا؟ ربما..
قطر كانت على خلاف مع الإمارات والمملكة. وتركيا على خلاف مع الإمارات، وعلاقاتها فاترة مع المملكة، مصر على خلاف مع تركيا، بغداد بينها وبين تركيا قضايا خلافية، إيران متخالفة مع الحاضرين، ومتهمة من الحاضرين بالتوسع والتدخل في الشئون العربية.
هذا التجمع المهم والنادر دفع بعض المحللين للقول: من جمعهم؟ ولماذا في هذا التوقيت؟ وما موضوعات اللقاء؟ وأقول: هل كانت فلسطين القضية حاضرة؟
أبدأ بالسؤال الأخير فأقول: لم تكن فلسطين حاضرة، لا قضيةً، ولا ممثلين؛ لأن الموضوع الذي يقاربه المجتمعون هو استقرار العراق في حال انسحاب القوات الأميركية منه، وهو انسحاب قريب محتمل. ويبدو أن أميركا شجعت الأطراف على الاجتماع وعلى التصالح فيما بينهم. التقى أمير قطر بالرئيس المصري، والتقى بقيادة الإمارات، واتصل أردوغان بقيادة الإمارات، وقالت تغريدة وزير الخارجية قراقاش إنه اتصال مهم ودافئ.
كل الأطراف التي حضرت المؤتمر لها وجود في العراق، أو قل لها اهتمام في استقرار العراق. تجربة أفغانستان الأخيرة وما حدث من فوضى وقتل في كابل بعد الانسحاب تبعث على قلق العراق وأميركا وكل الأطراف الموجودة في العراق والمهتمة باستقراره. دول الخليج ومصر وتركيا لا تريد أن تحل إيران محل الوجود الأميركي. وإيران تجد في المؤتمر ولقاء قادة الخليج والمملكة مصلحة لها قلما تتكرر. لا بأس من المصالحة وإن كانت عند البعض شكلية، المهم أنهم التقوا وتحدثوا، وغدا يتفقون إن صدقت النوايا.
المصادر الناقدة للنظام العربي تقول: لتركيا مشروعها في المنطقة. ولإيران مشروعها في المنطقة، والغائب عن المنطقة هو المشروع العربي. نحن قد نعلم ماهية المشروع الإيراني، وماهية المشروع التركي، ولكن لا نعلم شيئا عن ماهية المشروع العربي! ما ملامحه؟ ما غايته؟ مَن مِن الدول تقوم عليه؟
النظام العربي لا يملك مشروعا موحدا متفقا عليه، وما هناك لا يتجاوز المشاريع القطرية التي تلتقي أحيانا، وتختلف غالبا، لذا قالوا عن رجال المؤتمر شركاء متشاكسون، تصالحوا أمام الكاميرا، واستجابوا لمطالب الراعي الكبير، استجابة تلتقي بخوفهم أيضا من فوضى في العراق إذا لم يلتقوا ويتفاهموا.
وفي السياق نفسه عبر مسئول الموساد السابق يوسي كوهين عن تخوف (إسرائيل) من فوضى في العراق، على شاكلة فوضى كابل، وخشيته أن يمتد تأثيرها إلى (إسرائيل). وهنا أقول: إذا كانت دولة الكيان تخاف الفوضى في العراق، فحري بدول جوار العراق أن تكون أشد خشية، ولذلك التقوا بالرغم من خلافاتهم، ونحن في فلسطين ندعم استقرار العراق حتى وإن كنا غائبين عن المؤتمر. ونقول إن الفوضى التي يصنعها الاحتلال الإسرائيلي لا تقل خطرا عن فوضى محتملة. نحن في فلسطين نعيش فوضى قائمة، وفوضى العراق محتملة، وكان يجدر بالمجتمعين استحضار تداعيات الاحتلال الإسرائيلي الذي يضرب في غزة، وفي لبنان، وفي سوريا، ويخوض معركة في البحر مع إيران، ويهدد بقصف مراكز حيوية في البرنامج الإيراني. وهو قصف إن حدث سيشعل المنطقة كاملة، ويخلق فوضى لا قِبَل للمنطقة بها.