ينطبق على تلامذة المرحلة المتوسطة أو الأساسية ما ينطبق على طلاب المرحلة الثانوية التي تفتح السبيل أو تقفله أمامهم للدخول إلى الجامعات والمعاهد العالية. طلاب هذه المرحلة على الأغلب خاضوا في معمعة الامتحانات دون أي استعداد حقيقي وكافٍ لمثل هذه التجربة. لكن بالمقارنة بين ما هم عليه من معضلات واجهوها خلال عامهم الدراسي الذي لم يدخلوا خلاله إلى الصفوف سوى لأسابيع محدودة في أفضل الأحوال، وبين ما كانوا عليه تتبدى هوة ستقود إلى "بلع" مئات الألوف منهم، وتحول دون متابعة دراساتهم، أو تحكم على المستوى العلمي لهم في الجامعات بالتراجع الفعلي.
من باب الذكر نشير إلى دراسة أعدتها "جامعة بيروت العربية" في لبنان، قبل الوباء بسنوات قليلة، ظهر من نتائجها أن مخرجات التعليم الثانوي ضعيفة وتحتاج إعادة نظر، ولا تؤهل الطلاب فعلًا للدخول إلى كليات الجامعات. هذا المستوى المتدني للطلاب الثانويين بالإجمال، يلاحظه أساتذة الكليات الجامعية مباشرة وبوضوح. ومن أجل الحد من مخاطره باتت معظم الجامعات والمعاهد العالية تعمد إلى إجراء مباراة للمتقدمين للدخول إليها، فتختار من بينهم الأكثر كفاءة. لكن حتى هؤلاء الناجحين الذين اجتازوا هذه العقبة، لا يبدون في حالة معرفية مرضية، بالنظر للأعطاب التي يحملونها معهم من تلك المرحلة التي اجتازوها نظريًّا وليس معرفيًّا. قد يعود السبب إلى اعتماد الأساتذة ووزارات التربية أسلوب التلقين المعتمَد في المدارس، وما يتطلبه من حفظ المادة لإفراغها على ورقة الامتحان ونيل العلامة القصوى، باعتبار أن التقييم ينطلق من هذا النموذج المخزي، والذي يقتل في الطالب أي قدرات عليا أو ملكات عقلية إبداعية.
الأغرب في امتحانات الثانوية العامة هذا العام أنها قذفت بالطلاب مجردين من عملية التراكم التي يحصلون عليها خلال العام. وبالعودة إلى التذكير بدراسة جامعة بيروت العربية وتبين منها تردي مخرجات هذه المرحلة، نستطيع الجزم أن هذا التردي سيكون أشد وقعًا هذا العام، خصوصًا بالنسبة لطلاب الأرياف والضواحي الفقيرة في العواصم، حيث تندر الكهرباء وخطوط الانترنت والخدمات الالكترونية، أو تعاني من تقطع. ما يعني أن طلابًا محظوظين يمكنهم عبور هذا الجسر الذي لا يستطيعه سواهم. بالتأكيد ستكون الأفضلية لطلاب مدارس النخبة حيث الرأسمال الموضوع بتصرف الأساتذة من الإدارات لهم، والأهل لأبنائهم، لا يمكن أن يقارن بما يحصل عليه سواهم.
يزيد الطين بلة أن طلاب الثانويات يجب أن يعاينوا عن كثب أعمالًا مجتمعية ومخبرية، ويشاركوا في تحضير المواد، وحتى قيامهم تحت إشراف أساتذتهم بتجارب عامة أو صفية. وهو ما لم يتوافر خلال العام. وعندما قامت بعض الإدارات المدرسية بإعلان مباشرة الدروس صفيًا بعد تراجع الوباء، ظهر أن العودة متعذرة اقتصاديًا ونفسيًا لطلاب لم يشاهدوا أساتذتهم طوال العام. وتبين أن من تابعوا دروسًا غير صفية لم يكن حضورهم الذهني على جهوزية عالية للاستيعاب والتفاعل. وهو ما ينطبق على أغلب الطلاب.
إذًا، بين تعليم "أون لاين" وتعليم حضوري عانى الطلاب من متاهة، لم يكن بقدرتهم التفاعل معها إلى الحد الذي دفع بالألوف منهم إلى ما يشبه حال التسرب المعروفة. وما فاقم من المشكلة أن العديد من الدول العربية عمدت العام الماضي إلى منح طلابها إفادات تتيح لهم دخول الجامعات، التي لم تعد تعترف أصلًا بهذه الشهادة أو الإفادة كجواز مرور للدخول إلى مرحلة التعليم العالي، بدليل أنها تفرض امتحانات اصطفاء على عملية تولتها الوزارة المعنية وجاءت نتائجها مشكوك في دقتها.