مباشرة وبعد لقائه الرئيس الأمريكي جو بايدن الجمعة الفائتة، أَذِن نفتالي بينيت لوزير دفاعه وشريكه في الائتلاف بيني غانتس في لقاء الرئيس محمود عباس في رام الله يوم الأحد الماضي، فما أشغل المسؤولين الأمريكان من وزير الدفاع أوستن الى الخارجية بلينكن إلى الرئيس بايدن لم تكن إيران التي حمل بينيت ملفاتها، بل خَفْض التصعيد في الأراضي الفلسطينية، وهاجس انهيار السلطة في رام الله.
بينيت الذي جاء مسلحًا بالتطبيع كأداة لبناء تحالف إقليمي على شاكلة الناتو لمواجهة إيران ومحاصرتها لم يجد مستمعين، وإنما وجد قادة أمريكا منشغلين بهاجس خفض التصعيد في الاراضي الفلسطينية، ودعم السلطة في رام الله بقيادة محمود عباس التي واجهت متاعب اقتصادية متزايدة بسبب الاحتلال وكورونا، وتضررت مكانتها بُعيد معركة "سيف القدس"؛ حيث عبَّر القادة والمراقبون في أمريكا -في أكثر من مناسبة- عن مخاوفهم من انهيار السلطة؛ هواجس تعززت بعد الانسحاب الامريكي من افغانستان.
فالأولوية من وجهة نظر أمريكا لم تكن بناء التحالفات الاقليمية والمشاريع التطبيعية الكبرى، بل منع تدهور الأمور الى أسوأ مما هي عليه في المنطقة، وخصوصًا في الأراضي المحتلة عام 1967، بل في أراضي الـ 48 كذلك التي كشفت معركة "سيف القدس" عن هشاشاتها، وضعفها امام الازمات الكبرى.
بينيت التقط الرسالة الأمريكية، وسارع بالسماح لغانتس بمقابلة الرئيس محمود عباس. لقاءٌ أظهر جدية "اسرائيل" في التعاون مع المخاوف الأمريكية، غير أنه لم يعكس الحقيقة التي تقف خلف هذا اللقاء؛ وهو إرضاء الإدارة الجديدة، وشرعنة الإجراءات الاسرائيلية في الحرم الشريف، والاقتحامات، وبناء المستوطنات، وهدم المنازل، واستهداف الفلسطينيين على المعابر والحواجز بالاغتيال والاعتقال؛ فبينيت استغل الفرصة للإعلان عن مزيد من البؤر الاستيطانية في جنين، بل إنه حَوَّل الاقتحام للحرم الشريف روتينًا يوميًّا على مدار الساعة، متفوقًا بذلك على سلفه نتنياهو!!
السلطة في رام الله لم تتقن التعامل مع الهواجس الأمريكية؛ فالسلاح الذي طالما هدد به الرئيس عباس بحل السلطة والاستقالة غاب فجأة عن المشهد، وحل مكانه خطاب جديد يدعو لعودة مسار التفاوض والتواصل مع سلطات الاحتلال، وسط تطمينات في غير محلها لا تخدم الشعب الفلسطيني ومقاومته وسلطته في رام الله؛ لما يتضمنه كخيار من تخلٍّ مسبق عن ورقة ظهرت من العدم، وتعززت بعد انهيار الحضور والنفوذ الامريكي والغربي في افغانستان.
ختامًا..
الإعلان عن قمة القاهرة التي تضم الاردن والسلطة ومصر كان الأجدى ألا يسبقها لقاء بني غانتس؛ فرسم معالم المسار تبدأ بالتشاور مع القوى المحلي الفلسطينية والاقليمية العربية، وهي خطوة قفزت عنها القيادة الفلسطينية في رام الله للأسف! مُلحقةً أضرارًا كبيرة بالمكاسب الممكنة من المناخ المتولد عن فشل زيارة نفتالي بينت الى واشنطن، واندحار أمريكا المفاجئ في كابول الذي تبع استقالة الرئيس السابق أشرف غني.
خيارٌ ظهرت أهميته من العدم، وكان الأجدى التلويح به؛ فخيار أشرف غني طالما كان على لسان الرئيس المخضرم عباس دومًا: فكيف فاته الأمر الآن؟!!