في وقت متأخر من مساء الأحد صرح حسين الشيخ رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية أن رئيس السلطة محمود عباس التقى مع بيني غانتس وزير الأمن في كيان الاحتلال الإسرائيلي، في زيارة وصفها المراقبون "بالفريدة" نظراً لحساسية الفترة الحالية، وطبيعة المنصب الذي يشغله "غانتس".
هذه الزيارة لا يمكن تحليلها بعيداً عن تصريحات مصدرٍ مقرب من رئيس وزراء كيان الاحتلال الإسرائيلي "نفتالي بينيت" التي يؤكد فيها عدم وجود عملية سياسية مع الفلسطينيين ولن تكون، وتصريح غانتس نفسه الذي قال عبر تغريدة على منصة تويتر أن اللقاء جاء لبحث قضايا أمنية.
هذه التصريحات تؤكد دور السلطة الوظيفي الذي يتكامل مع الاحتلال، حيث تُسند للسلطة وظائف أمنية داخل الأراضي الفلسطينية، وهذا ما تقر به القيادات العسكرية الإسرائيلية بأن أجهزة السلطة الأمنية تزود (إسرائيل) بمعلومات استخبارية تسهم في تفكيك خلايا المقاومة في الضفة الغربية، وتؤدي إلى تحسين البيئة الأمنية فيها بشكل كبير، وضمن ذلك البيئة الأمنية للمستوطنات، ما يقلص الأعباء على جيش الاحتلال بما يسمح له بالتفرغ لإجراء المناورات والتدريبات، والأهم من ذلك تمكين كيان الاحتلال من الاستعداد للمواجهة على جبهات أخرى.
وربما كانت حادثة اغتيال المعارض السياسي نزار بنات من أسوأ مظاهر ذلك التكامل، فقد اختطفته أجهزة السلطة الأمنية من منطقة غير خاضعة أمنياً لنفوذ السلطة، ويمنع دخول الأجهزة الأمنية الفلسطينية إليها، الأمر الذي يوضح مدى خشية كيان الاحتلال من زعزعة مكانة السلطة في الضفة الغربية حتى بالكلمة والرأي، فالمعتقد الأمني لديهم أن تَجَرُّؤ الشعب على الانتقاد والتعبير عن آرائه سيفتح المجال لمزيد من الحريات، ما يستنهض الحالة الثورية لدى الفلسطينيين، هذه الحالة التي سعى قادة الاحتلال لقتلها بإضعاف الروح الوطنية، وإنتاج سلالة فلسطينية جديدة وفق مبدأ الجنرال الأمريكي "دايتون" الذي كُلف بتدريب وإعادة إنتاج قوات الأمن الفلسطينية لتناسب حاجات الاحتلال، ولذلك فإن اغتيال "بنات" مصلحة إسرائيلية بالأساس.
إن المسالك التي يتبعها كيان الاحتلال وترضخ لها السلطة بمنتهى الرضا، تستهدف بشكل واضح تحويل كل الفلسطينيين إلى حالة من الاغتراب عن الوطن على الرغم من الوجود على أرضه المسلوبة، بحيث يُفصَل الفلسطيني عن تاريخه وواقعه وقيمه ومصالحه الوطنية ويتحول في أحسن الأحوال إلى مستهلك للسلع، ولا أدل على ذلك من الحفلات الراقصة وترخيص الخمارات بادعاء تنشيط السياحة، والتنازل على الحق الفلسطيني في غاز المتوسط، وغيرها الكثير من الشواهد التي تؤكد ارتهان السلطة الفلسطينية لسياسات الاحتلال.
ومع كل ذلك ما زال الشعب الفلسطيني يرى إمكانية تغيير دور السلطة الوظيفي، ويأمل أن تتغلَّب القيادات والكوادر الوطنيّة، على حالة التّيه التي وصل إليها الشعب الفلسطيني نتيجة سياسات التفرّد والإقصاء والاستبداد والاستهتار مِن السلطة بالتوجهات الوطنية الفلسطينية.
إن شعبنا في أمسِّ الحاجة اليوم إلى قيادة فلسطينية موحدة تعالج انقساماتنا وتصحح خلل الشرعية المتمثل في سلطة أوسلو، وتكون هي بمنزلة هيئة الأركان التي تقرر متى نواجه وكيف نواجه، وإلا فإننا سنبقى تبعاً لسياسات الاحتلال وأطماعه.