فلسطين أون لاين

الترحيب الشعبي بحماس في الإقليم

...

ليس مستغربا الحفاوة والاستقبال المهيب الشعبي في الأردن لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية ورئيس الحركة في الخارج خالد مشعل خلال تشييع جثمان القائد الكبير المهندس إبراهيم غوشة، الذي سبق أن ترأس مكتب حماس السياسي وعضويته أيضا، لقد هتفت حناجر الجماهير المحتشدة داخل المقبرة التي ووري جثمان الفقيد تحت ثراها وسط كلمات التأبين، هتفت بالتحية والترحاب بالقائدين هنية ومشعل وحمّلتهما رسالة شكر ووفاء ومحبة للقائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام محمد الضيف الذي كان في الأمس القريب أيقونة معركة سيف القدس ورجل الظل حامي الأقصى، وأرسى قواعد اشتباك جديدة أن القدس تعني غزة وكل فلسطين، فلا تقسيم زماني ومكاني للأقصى ولا تهجير سكان من منازلهم لا في الشيخ جراح ولا سلوان ولا بطن الهوى ولا أي بقعة في مدينة القدس، وأن المقاومة لن تصمت عن فرض وقائع سلب الأرض من أجل مشاريع الاستيطان واستمرار العدوان في الضفة والقدس وغزة، وهي بذلك تثبت معادلة أخرى أن المقاومة هي الراعي والمدافع عن فلسطين وأهلها وثوابت شعبها، وبذلك استحقت قيادة المقاومة خارج فلسطين استقبالًا حافلًا شعبيًّا وآخر رسميًّا ظهر في الجولة الأخيرة لرئيس حركة حماس إسماعيل هنية.

وهنا يستوجب المقام سؤالين مهمين في إطار حضور الظاهرة وأهمية تفسيرها في حدود منطقها الواقعي.

متى حظيت قيادة حماس بالترحيب الشعبي الكبير في الإقليم؟

إجابة السؤال تتطلب استحضارا لشواهد التاريخ المعاصر للظاهرة، وننطلق من أن هذا الاستقبال وما سبقه خلال أيام معركة سيف القدس لم يكن الأول.

فقد كان أول استقبال عربي مرحب به بقيادة المقاومة من الحركتين حماس والجهاد على أرض مخيم مرج الزهور في رحلة الإبعاد جنوب لبنان بقرار صهيوني عندما قررت حكومة إسحاق رابين آنذاك عقاب قيادة المنظمتين بعد سلسلة من العمليات المسلحة ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه، حيث أبعد ٤١٥ في يوم ١٢ من شباط (فبراير) عام ١٩٩٢م، وتحدث المبعدون بعد عودتهم عن صور استقبال شعبي لبناني لهم بعد مدة قضوها على الأراضي اللبنانية.

الاستقبال الشعبي الثاني لقيادة حماس كان على أرض الأردن، البلد الشقيق والملاصق لفلسطين من الجهة الشرقية، لمؤسس حركة حماس الشيخ الشهيد أحمد ياسين يوم ١ تشرين الأول (أكتوبر) عام ١٩٩٧م بموجب صفقة بين قيادة المملكة الأردنية وحكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو في أعقاب فشل عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي للحركة آنذاك خالد مشعل وإلقاء القبض على عميلي الموساد الصهيوني، فحظي الشيخ ياسين بحفاوة الاستقبال الرسمي من العاهل الأردني الملك حسين ورجالات الدولة ومجلس النواب، ولم يغِب عن المشهد الاستقبال الشعبي الكبير للشيخ.

وعلى الأرض السورية توجه وفد رسمي من حماس على رأسه خالد مشعل رئيس الحركة وقتئذ بتقديم واجب العزاء للقيادة في سوريا بوفاة الرئيس حافظ الأسد، لقد كانت الزيارة ضمن ترتيبات ترحيب دمشق الرسمي بحماس عقب الأزمة مع قيادة الأردن عام ١٩٩٩م، ولقيت حماس ترحيبا رسميا في سوريا وتطور فيما بعد لتجد لها موطئ قدم وسعة في القبول الشعبي، ومنحت امتيازات كبيرة وحرية تنقل لقياداتها وأفرادها وأصدقائها والوفود الدولية التي كانت تتحاور معها في خضم التطورات السياسية التي شهدتها الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة والقدس المحتلة.

وشكل عام ٢٠٠٦ منعطفا مهما في الترحيب الشعبي العربي والإسلامي بحماس عقب فوزها بأغلبية في الانتخابات التشريعية وفتحت الأبواب بعضها خجلا وأخرى على مصرعيها، وتلقت الدعم المادي والمنح من الشعوب للنهوض بأعباء الحكم والمسؤولية الجديدة، لقد كانت تنسج حماس علاقات قبل عام ٢٠٠٦ مع عديد من الدول الإسلامية وفي المقدمة منها إيران، وتتلقى دعما سخيا في تطوير عملها المقاوم ضد الاحتلال.

وطافت قيادة حماس جولات عدة في الأعوام ٢٠٠٧، ٢٠٠٩، ٢٠١٠، وحتى يومنا هذا لم تتوقف، وشملت الزيارات دولًا عربية أهمها مصر وقطر والسعودية والكويت والإمارات وعمان والبحرين واليمن الذي كان حضور حماس في صنعاء لافتا ومرحبًا به رسميا وشعبيا، وشكلت اليمن لحماس منطقة آمنة تتمتع فيها بحرية العمل والإقامة، ولقيت حماس حضورا مرحبا في المغرب العربي (تونس، ليبيا، المغرب، الجزائر) ، وفي السودان احتضنت الخرطوم حماس فكرة وعملا ومقاومة وسياسة، وشكلت قاعدة ارتكاز ونقطة انطلاق ومحطة توريد وتصدير للعمل المقاوم، إضافة إلى دول إسلامية مثل تركيا وماليزيا وأندونيسيا، ودولة جنوب إفريقيا.

وشهد العام الحالي عددا من الجولات لرئيس الحركة إسماعيل هنية حظيت بالاستقبال الرسمي والشعبي بدأت بقطر وتركيا بصفتهما مقرين رئيسين للإقامة، وتجول وفد الحركة في زيارات مكوكية مهمة في المملكة المغربية وتونس وموريتانيا واختتمت بلبنان.

والسؤال الثاني هنا: لماذا حظيت حماس بهذا الاستقبال والترحيب الشعبي في الإقليم؟

تقف مجموعة من الأسباب خلف إجابة هذا السؤال:

الفكر الأيديولوجي للحركة: فحماس حركة لها أيدلوجيا واضحة، فهي إسلامية سنية تحمل أفكارا وسطية وتستمد من فكر جماعة الإخوان المسلمين نهجا دينيا، وتتمتع الجماعة بحضور وتأييد شعبي واسع في الدول العربية.

عقيدتها القتالية: فحماس تتخذ من فلسطين منطلقا لمقاومة الاحتلال الصهيوني ضمن حدود الوطن الجغرافي، وترفض في مبدأ ثابت أي نوع من القتال خارج حدود فلسطين، فهي لا تؤدي في معاركها ضد الاحتلال إلى وقوع أي دولة عربية في الحرج مع (إسرائيل) أو المجتمع الدولي، وتعتبر وجود قيادتها في الخارج مؤقتا واضطراريا حتى تحرير الوطن.

الارتباط الوجداني للحلم العربي في التخلص من خطر الوجود الصهيوني في المنطقة: وفي هذه النقطة تلتقي حماس وجدانيا مع كل عربي ومسلم كاره لوجود دولة الاحتلال في قلب العالم العربي باعتبار هذا الحضور خطرا استراتيجيا على مصالح الشعوب ومقدراتها وثرواتها من المياه والغاز والبترول ومعادن الأرض ووحدة ترابها ونظامها السياسي، فأطماع الاحتلال تتوسع على صعيد الجغرافيا فتحدد أنها من النيل إلى الفرات، إلى جانب خطر تغلغلها في دول إفريقية تتخذ منها قواعد تهديد للدول العربية وتهديد أمنها القومي، وهو الحاصل اليوم في قضية مياه النيل وسد النهضة وتأجيج الصراع بين إثيوبيا ومصر والسودان، حيث ذكرت مصادر عربية مسؤولة عدة ودراسات أن (إسرائيل) تقف خلف أزمة سد النهضة.

سلاح موجه للاحتلال فقط: وهي مسألة في غاية الأهمية؛ فكم من سلاح فلسطيني شهد التاريخ على عبثيته داخل دول عربية شقيقة وأحداث حرب أهلية، في حين تعتبر حماس ضمن عقيدتها القتالية أن سلاحها فقط موجه للاحتلال الاسرائيلي الذي يحتل الأرض ويقتل البشر ويدمر الحجر ويهجر السكان من بيوتهم، وقد آمنت الشعوب العربية بصدق هذه العقيدة وهذا المبدأ، فوجدت حماس ترحيبا شعبيًا عربيًا حاضنًا للمقاومة بالموقف والمال.

عدم التدخل في الشأن العربي: وشهد المواطن العربي خلال ربيع الشعوب عام ٢٠١١ وطوال مسيرة عمل الحركة عدم تدخل حماس ومكوناتها السياسية والعسكرية والأمنية في أي شأن عربي داخلي، وسارت في طريق محفوف بالمخاطر، ودفعت ثمن ذلك من حسابها في تطوير قدراتها العسكرية، ودخولها أزمات مالية شديدة، وعبرت عن حزنها لمشاهد الموت العربي.

وخلاصة القول: باتت حماس اليوم أمل الأمة الحاضر في قلبها القدس والأقصى أمل كل عربي ومسلم من جاكرتا إلى طنجة ومن المحيط إلى الخليج. ولن تتخلى عن الدفاع عن شرف الأمة؛ القدس، ولن تقبل التهويد ولن تعترف بما يسمى (إسرائيل).