الوضع الفلسطيني العام مؤسف، وجلّ القضايا التفصيلية أكثر أسفا. جاءت السلطة قبل ربع قرن وهي ترفع شعار الاستقلال، والدولة، وزوال المستوطنات، ونشر الحريات، وبناء مؤسسات حكم ديمقراطي يشارك فيه الكل الفلسطيني، ويصون الحريات. لا شيء من هذه القضايا العامة تحقق، والتفاصيل أسوأ.
من حقنا أن نراجع ما تقدم آنفا، ونسأل القيادة: أين الاستقلال؟! أين الدولة الفلسطينية التي زعمتم أنكم وقعتم أوسلو من أجل قيامها؟! أين الدولة، وهل أزلتم المستوطنات؟! المستوطنات زادت تحت سمعكم وبصركم ومفاوضاتكم، فماذا فعلتم للزيادة المضطردة؟! من لا يستطيع وقف الاستيطان لا يمكنه بناء دولة مستقلة؟! أين ستبنى هذه الدولة وقد ضحيتم بمقاومة الضفة من أجل قيامها؟! أزلتم المقاومة من الضفة، ولم تزيلوا حجرًا من مستوطنة؟!
ثم أين مؤسسات الحكم الديمقراطي، وقد عطلتم عمل المجلس التشريعي بعد دورته الأولى في عام ٢٠٠٦م، وما زال المجلس معطلا، لأن تركيبته لا تروق لرئيس السلطة؟! قلتم قبل عام سنجري انتخابات من أجل تجديد المؤسسات، وتفعيل المجلس التشريعي، وضخ دماء جديدة، وحين أدركتم هزيمتكم المحتملة فيها ألغيتموها، وأعرضتم عن مطالب الشعب، وعن مقتضيات النظام الفلسطيني؟!
قلتم الحريات مكفولة بالقانون الفلسطيني؟! فأين حرية الرأي والتعبير وقد اغتالت أجهزتكم نزار بنات بسبب كلمة حرة قالها، ولو تركتموه حيًّا لأبنائه ما ضرتكم كلماته، وهو يعلم أنها لن تسقطكم من كرسي السلطة، لأن دولة الاحتلال تمد لكم عادة حبل النجاة، ولو قطعت حبلها، وتركتم وحدكم لسقطتم فورا كما سقطت حكومة كابل بمجرد أن رفعت أميركا الغطاء عنها؟!
لا حريات بل اعتقالات، لا مؤسسات بل قائد فرد، لا دولة، بل سلطة حكم ذاتي. لا مقاومة بل تنسيق أمني لقمع المقاومة، لا انتخابات بل ثمة تعيينات، لا رواتب بل أنصاف رواتب. لا تنمية ولا تطوير، بل تراجع وتزوير. الشيء الوحيد الذي نجحتم فيه هو بقاؤكم في كرسي السلطة حتى الممات. الحكم لكم، والمال لكم، والقرار لكم، والفساد منكم، ولكن وللشعب البحر.