فلسطين أون لاين

تقرير الرسوم الجامعية تضع أحلام الطلبة الجدد على عتبة الحرمان

...
صورة أرشيفية
غزة/ يحيى اليعقوبي:

لسنوات طويلة تخيلت سماح كوارع نفسها بالرداء الأبيض بين أَسِرَّة المرضى، غير أن حلمها يقف اليوم على عتبة الحرمان وتحت وطأة ظرف اقتصادي يضرب نواحي الحياة كافة في قطاع غزة.

مر شهر على نتائج الثانوية العامة، إذ حصدت كوارع (99.1%)، وهو معدل كافٍ لتلتحق بأي من كليتي الطب العام المتوفرتين في غزة، غير أن القدرة المالية لوالدها المتعطل عن العمل تضعها وآلاف الطلبة، أمام خيارات صعبة، إذ تحول الرسوم الدراسية الجامعية دون التحاقهم بالتخصصات التي يريدون، في حين يغدو تأجيل الدراسة كليًا خيارًا غير مستبعد.

تقول كوارع: "منذ كنت طفلة صغيرة، حلمت بأن أصبح طبيبة، لكن الظرف الاجتماعي والاقتصادي الذي نعيشه لا يسمح بالتحاقي بكلية الطب".

وتعيش كوارع في محافظة رفح، في بيت صغير من الصفيح "الزينكو"، في حين يُعيل والدها المتعطل عن العمل أسرةً مكونة من اثني عشر فردًا، "وبالكاد يستطيع تدبير احتياجاتنا اليومية ولا يملك المقدرة على دفع الرسوم، وإن لم أدرس الطب فلن ألتحق بأي تخصص آخر، ولن ألتحق بالجامعة".

وإذ تصر "سماح" على التمسك بحلمها مبدية استعدادًا لتحدي كل شيء في سبيل تحقيقه، فإنها تأمل الحصول على منحة قبل انتهاء موعد دفع الرسوم الدراسية للفصل الأول، حيث حجزت مقعدًا في كلية الطلب بجامعة الأزهر.

خيار بديل

أما يحيى السكني فقد سلك مسلكًا آخر يناسب إمكانات عائلته المادية، ملتحقًا بتخصص تصميم وتطوير صفحات الويب في جامعة الإسراء، حيث حصل على "تخفيض"، بعد أن كان يُمنّي نفسه بدراسة الوسائط المتعددة في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية، ولكن سعر الساعة البالغ 20 دينارًا يحول دون ذلك، فوالده هو الآخر متعطل عن العمل.

ويقول السكني، الحاصل على معدل (57%): "تحصلت على تخفيض بنسبة 50% من الرسوم الدراسية الجامعية للفصل الدراسي الأول في جامعة الإسراء، لأن ظروف أبي لم تسمح لي بالتسجيل بالكلية الجامعية".

"بدي أروح على الجامعة.. حابة أدرس" أصبحت تلك الجملة حاضرة يوميًّا على مائدة حوار روان الترك مع والدتها، لكن الأم التي لا تملك باليد حيلة ليس لديها ما يلبي به رغبة ابنتها: "يما شو نعملك، هي أختك نجحت السنة اللي فاتت وما قدرنا نعلمها".

"والله يا ابني الواحد متحسر على بناته".. قالتها أم زياد بألم: "ابنتي بسمة نجحت العام الماضي بمعدل 67%، ذهبت ودرست الفصل الدراسي الأول تخصص علاج النطق دون دفع الرسوم، واجتهدت ولكن منعت من تقديم الامتحانات بسبب ذلك، وحصلت روان هذا العام على معدل مماثل تقريبا ولا نستطيع تلبية رغبتها".

تقارن "أم زياد" بين حالها والرسوم الدراسية: "متوسط الرسوم يبلغ 500 دينار بالفصل، وزوجي يعمل على بسطة للمشروبات الساخنة بالكاد تستطيع تلبية مصروف البيت اليومي"، متسائلة بحسرة: "كيف ومن وين بده يعلمهن؟!".

"هو قصتي صعبانة علي".. كلماتٌ استهلت بها مرح الزعانين حديثها، بعد أن حصلت العام الماضي على منحة دراسية لدراسة الطب البيطري في الجزائر، لكن وبعد ثلاثة أشهر من الانتظار ألغيت المنحة بسبب أزمة فيروس "كورونا".

ذهبت السنة الدراسية الأولى "وهاي السنة كمان مش مقدرتي أسجل التخصص إلي بدي إياه".

ويبلغ سعر ساعة تخصص الطب البيطري في غزة 65 دينارًا، وهذا سعر يفوق إمكانات والد مرح المادية، ولا تستطيع توفير القسط من رسوم الفصل الأول البالغة قيمتها 1216 دينارا.

تكرار المحاولة

ووالد مرح مُزارع "مربي دواجن". وفي حرب 2014 تدمرت مزارعه وبلغت أضراره 70 ألف دولار، وحتى اللحظة لم يحصل على أي تعويض.

وتقول: "أبويا عليه ديون كبيرة، ومن هول الصدمة أصيب بجلطة دماغية، لذلك لا يستطيع تدريسي التخصص نفسه، وأصبحتُ أفكر بإعادة التوجيهي لأحصل على معدل أعلى من معدلي السابق لأحصل على منحة خارجية لدراسة التخصص".. خرجت تلك الكلمات بصوتٍ يعتصره الألم.

أما هديل أنور التي أنهت السنة الدراسية الأولى تخصص الهندسة، فقد أخبرها والدها بعدم مقدرته على تسديد رسومها الجامعية، وأنه سيكتفي بتسديد رسوم الفصل الأخير لشقيقتها التي تدرس "علاج طبيعي" كي تتخرج.

تتفهم هديل حال والدها الذي يعمل موظفًا حكوميًّا في غزة ويتقاضى 55% من قيمة راتبه، "وتكلفة الرسوم الفصلية لي ولشقيقتي تبلغ نحو ألف دينار، فكان أمام خيار صعب".

عن الاستفادة من المستحقات، توضح: "المشكلة أن الجامعة تقتطع 25% من قيمة الرسوم من المستحقات في نهاية الفصل الدراسي الأول، ومطلوب مني دفع 300 دينار في بداية الفصل للتسجيل، لو كان العكس لاستطعتُ التسجيل".

بحسب المتحدث باسم الحملة الوطنية لتخفيض الرسوم الجامعية إبراهيم الغندور، فإن متوسط الدراسة الفصلية بجامعات غزة يبلغ قرابة 400-500 دينار، وهذا ما يدفع آلاف الطلبة لعدم الإيفاء بالتزاماتهم للجامعات، أو دراسة تخصصات لا تناسب تطلعاتهم وآمالهم، بالبحث عن تخصصات أقل تكلفة، وهذا على المدى البعيد يزيد نسبة البطالة.

ويقول الغندور لصحيفة "فلسطين": "الجامعات لم تراعِ ظروفَ الطلبة، فهناك جامعات بدول العالم خفضت الرسوم إلى 30% بسبب أزمة "كورونا" والتحول للتعليم الإلكتروني، وانخفاض تكلفة التعليم على الجامعات التي تحملها الطلاب من شراء حاسوب وهواتف".