فلسطين أون لاين

تقرير "المصارعة الرومانية".. غزيون يسافرون إلى عالم "الإغريق"

...
صورة أرشيفية
غزة/ يحيى اليعقوبي:

دائرةٌ صغيرة يقف عليها اللاعبان الخصمان، تحيطُ بها دائرة أوسع صفراء، يلتف حولها خطٌّ أحمر دائري، ضرباتُ الأيدي يتردد صداها من كل اتجاه داخل الصالة المغلقة، كل لاعب يحاول إحكام قبضته على يد اللاعب الآخر ليتمكن من تثبيته أو طرحه أرضًا أو حمله، كل منهما يمد يديه للأمام وهو يناور بحركاتٍ ملتوية محاولًا الوصول لجسد الخصم ومراوغته والتحايل عليه.

منتصر أبو شرخ (40 عامًا)، أحد "أبطال" لعبة المصارعة الرومانية على مستوى غزة لفئة الرجال -الوزن الثقيل- وجد خصمه فرصة للانقضاض عليه بعدما حاصر خصره بيديه، إلا أنه أفلت من قبضة "الموت" تلك، ثم عاد منتصر ليستخدم حركة خصمه وطرحه أرضًا وأحكم الإمساك به ليحصد ثلاث نقاط، وسع بها الفارق مع خصومه إلى ثماني نقاط كانت كفيلة بتحقيق الانتصار والفوز بالبطولة.

والمصارعة الرومانية، إحدى رياضات الفنون القتالية الفردية، وتعتمد على الإسقاط والتثبيت لتحقيق الانتصار في ثلاث دقائق وعدم تجاوز الدائرة الحمراء كي لا يخسر اللاعبُ نقاطًا أو استسلام الخصم.

ويوجد في قطاع غزة نحو 16 ناديًا رياضيًّا يهتم باللعبة. وقبل أيام أقيمت بطولة على مستوى القطاع بمشاركة 50 لاعبًا، توج فيها لاعبو فريق نادي "خدمات جباليا" بالمراكز الأولى.

وتقسم اللعبة إلى ثلاث فئات، الأولى للأطفال ولديها قوانينها التي تراعي المرحلة العمرية، والشباب بين سن (18-28) للوزنين الخفيف والثقيل، وفئة الرجال ما بين سن (28-40) وفيها أيضًا أوزان كسابقتها.

الإقبال وقانون اللعبة

يلقي منتصر نظرةً على واقع اللعبة في القطاع، عائدًا إلى البدايات: "أمارس المصارعة الرومانية منذ أواخر التسعينيات، وحتى اللحظة حصلت على تسع بطولات كان آخرها قبل أيام، ورغم إقبال المئات فإنها تعاني ضعفًا في الإمكانات، فمثلًا الملابس الرياضية الخاصة بها يشتريها اللاعبون على نفقتهم الخاصة، وكذلك الأحذية، والنظام الغذائي وصالات التدريب"، لافتًا إلى اعتمادها على القوة البدنية.

"احنا مفروض يفتخروا فينا وينشطوا اللعبة الفردية ككرة القدم، لكن حقها مهضوم وليس لديها مقومات"، نبرة عتب ولوم ألقاها على المؤسسات والاتحادات الرياضية الفلسطينية.

ويعطي منتصر فكرة أكثر عن قانون اللعبة، موضحًا أن مباراة المصارعة الرومانية تبدأ بنقطة الملتقى وتحيط بها دائرة النزال ثم دائرة حمراء يمنع الخروج منها، وتعتمد على الحركات التي من خلالها تستطيع كسب النقاط وفي حال كان الفارق ثماني نقاط تحسم المباراة لحاصدها.

ويفصل طريقة حصد النقاط، بالإشارة إلى حصول اللاعب على نقطة إن دفع بخصمه خارج الدائرة الحمراء، وثلاث نقاط إذا ما ثبته، وثلاث نقاط إن طرحه أرضًا، وقد يرتكب اللاعب مخالفات في أثناء اللعبة تفقده نقاطًا.

ويعددُ منتصر بعضًا من أهم حركات اللعبة، فهناك "البرمات" وهي كثيرة، من ضمنها أن تمسك بوسط الخصم وتقلب به إلى الخلف، أو تمسك وسطه وتحمله ثم تطرحه أرضًا (...).

ويقول: الحركات والأساليب كثيرة جدًّا ويعرفها الخصم جيدًا، والمهم أن تستطيع استخدامها في الملعب، بعد المراوغة وإيهامه بتنفيذ حركة لتفاجئه بأخرى غير متوقعة.

لماذا اخترت هذه المصارعة دون الرياضات الأخرى؟ استحضر موقفًا في إجابته عن سؤالنا قائلًا: "عندما كنت طفلًا وقد شاهدني بطل اللعبة حينها خليل حميد وعرض عليَّ اسم الرياضة، ومن حينها انخرطت فيها وأصبحت جزءًا من حياتي".

ولا ينصح منتصر بلعب المصارعة الرومانية دون تدريبات خاصة، حتى لا يتعرض ممارسوه للكسور.

وتاريخيًّا عدَّت هذه المصارعة من أهم أنواع الرياضة في بلاد الإغريق، ونقشت حركاتها على النقود والأواني الخزفية، وعند غزو الرومان للدولة الإغريقية، استخدم الرومان الشعب الإغريقي كعبيد ليعلموا شباب الرومان رياضة المصارعة وفنونها، أما حديثًا فكانت ألمانيا أول من اهتم بها ونظمت عروضها عام 1880، ثم بدأت في التوسع.

تمثيل خارجي

وبينما نشأت اللعبة في غزة مع بداية تسعينيات القرن الماضي، يقرب محمد النجار، مدرب خدمات جباليا في المصارعة الرومانية وأحد أبطال فلسطين في اللعبة المجهر -أكثر على واقع الرياضة المهمشة فلسطينيًّا رغم "جدارة" اللاعبين بتمثيل فلسطين عربيًّا وعالميًّا.

ومضى إلى القول: "لا يوجد اهتمام حقيقي باللعبة، اللاعبون يدفعون مواصلات من جيبهم، ولا تتوفر لديهم الإمكانات المطلوبة للتدريب كالمعسكرات المغلقة".

والنجار (38 عامًا)، حصل على قرابة 20 ميدالية في اللعبة، كانت أولاها البرونزية في بطولة مصر للشباب عام 1994، ونفس الميدالية في لبنان، وتأهل لأولمبياد أثينا عام 2004م.

يتوقف عند المشاركة الأولمبية: "مكثت بمصر أربع سنوات في معسكر مغلق استعدادًا للبطولة التي حصد فيها برونزية ثالثة".

وفي البطولة التي أقيمت قبل أيام فقد قاد المدرب "النجار" لاعبي "خدمات جباليا" للظفر بست عشرة ميدالية، وعزا هذا الفوز إلى "تمارين صباحية ومسائية تعتمد على القوة البدنية، وأحمال تؤهل بناء لاعب مصارعة وليس لاعب كرة قدم (...) هذه اللعبة تحتاج إلى توافق عصبي بدني وإيصال المعلومة بشكل صحيح، بحيث تؤهل اللاعب ليكون بنفس قوة الخصم".

ويوضح أن اللاعبين يتدربون على سقطات المناطق "الوحشية" (العضلات) وليس على العظام لتجنب الكسور.