الإرادة الفلسطينية التي لا تهزم، هذا هو عنوان المهرجان الجماهيري شرق مدينة غزة، والتحدي المفتوح على كل احتمال، هي دلالات المهرجان الحاشد الذي دعت إليه التنظيمات الفلسطينية في الذكرى الـ52 لإحراق المسجد الأقصى، فالمكان المحدد لتجمع الحشود الجماهيرية، وعلى بعد أمتار من السياج الفاصل بين قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المغتصبة سنة 48، لا يحمل إلا رسالة انعدام الأمن للعدو، ولا يبشر العدو إلا بعدم الاستقرار، واستحالة الازدهار، وانكسار الحلم الصهيوني الزائف.
لقد ظن القادة الإسرائيليون أنهم بالإرهاب، وبالمزيد من الإرهاب لقادرون على إنهاء القضية الفلسطينية، وخلق جيل من الشباب الفلسطيني الذي لا يعرف إلا مصالحه الشخصية، ولا يهتم إلا بقشور الحياة، لقد اجتهدوا على خلق جيل فلسطيني متحلل من نخوته العربية، وغير متسمك بتعاليم دينه الإسلامي، جيل بلا أهداف سامية، وبلا ناظم وطني يعزز علاقة الشعب الفلسطيني بأرضه، فإذا بالمقاومة الفلسطينية تخرج عليهم من تحت الأرض، وتنتصب كالمآذن، لترسم بقذائفها معالم الطريق للأجيال، ولتعيد للفلسطيني ثقته بنفسه وبقدراته، وتزرع في تلافيف روحه الإيمان بالحق الذي لا يضيع، ما دام حمل صاحبه السلاح، وقاتل عدوه بصلابة الصخر، وظل يتوقد من تحت الرماد نارًا، تحرق الحدود التي ظن العدو أنه يحتمي خلفها، وتفصل بين 2.5 مليون إنسان في غزة يأكلهم الجوع والفقر، وبين أراضيهم التي تبتسم لهم مع كل قذيفة.
الإصرار الفلسطيني على إقامة المهرجان شرق قطاع غزة، وعلى مسافة أمتار معدودة من الحدود، ورفض كل الوساطات التي ناشدت بإبعاد الحشود عن السلك الزائل، وطالبت بالتهدئة، وضغطت لكي يكون المهرجان وسط مدينة غزة، هذا الإصرار المعبأ بالبارود، والجاهز للتفجير، أوصل رسائله السياسية والميدانية، بأن المقاومة في قطاع غزة على أهبة الاستعداد، وأن الهدف الإسرائيلي مرصود، والصواريخ جاهزة، وأن دور الوسطاء قد شارف على الانتهاء، ما لم تتحقق مطالب أهل غزة بالحرية، ورفع الحصار، والتوقف عن الاعتداءات على المقدسات، وإنهاء التجبر على أهلنا الرافضين للاحتلال في الضفة الغربية.
لقد أثبت الشعب الفلسطيني أنه لا ينسى، وأن له ذاكرة وطن، حين ربط بين ذكرى إحراق المسجد الأقصى، وإقامة المهرجان الجماهيري الحاشد شرق غزة، وعلى مسمع ومرأى من الأعداء، وهذه رسالة فعل جماهيري، لا تكتفي ببيان الشجب للعدوان، ولا ترتضي بجمل الإنشاء التي تدين الاستيطان، بعيدًا عن الفعل المقاوم، فكان التحرك الجماهيري على الأرض هو المقدمة للفعل العسكري في الميدان، وتأكيد أن التنظيمات القادرة على حشد آلاف الفلسطينيين المطالبين بحقوقهم، لقادرة على حشد آلاف المقاتلين القادرين على اقتحام السياج، وإزالة الحدود الزائفة، والعازمين على تغيير وجه المنطقة، رغم أنف عدوهم الذي ظن أنه يحتمي خلف حدود ثابتة، وأن الفلسطينيين بلا ذاكرة، وأن اتفاقيات أوسلو قد شلت إرادتهم.
مهرجان مخيم ملكة شرق غزة يعد نقطة فاصلة بين فترة صمت فلسطينية، لم تذهب عبثًا، وبين فترة فعل فلسطيني، لن يطول انتظارها، فكل الشواهد تؤكد أن عدو الشعب الفلسطيني لا يفهم إلا لغة القذائف والصواريخ، ولا يستمع لمطالب الشعب إلا من خلال العنف الثوري، ولا يستجيب لطلاب الحرية إلا إذا أشهروا سيف القدس، ومن البطولة ألَّا يعود السيف إلى غمده؛ قبل أن يحقق الهدف الذي من أجله استل الرجال السيف.