ما من شك في أن غزة لا تريد تجديد الحرب وتقريب زمن انفجارها بشكل موسع، وما من شك أيضا أن غزة تريد رفع الحصار عنها، أو تخفيفه والعودة إلى ما قبل معركة سيف القدس، مع استمرار المطالبة برفعه نهائيا.
هذه هي معادلة غزة التي تحدد العمل بها بعد معركة سيف القدس، وهي معادلة كانت معلومة لدى الأطراف والوسطاء عند إبرام تفاهمات وقف إطلاق النار.
إذا كانت الفصائل قد تلقت تعهدات من الوسطاء بتخفيف الحصار وفتح الطريق أمام عودة الإعمار، فإن هذه التعهدات لم تنفذ، ولم يلمس مجتمع غزة تخفيفا للحصار، بل لمس عكس ذلك، حيث يمنع الاحتلال إدخال بضائع لا علاقة لها بالبناء مثل أجهزة الكمبيوتر وكاميرات المراقبة المنزلية! وإذا كانت الفصائل لم تتلقَ تعهدات من الوسطاء بتخفيف الحصار، وذهبت لوقف إطلاق النار معتمدة على قدراتها ومتابعتها لما بعد الوقف للحصول على تخفيف للحصار، فإن الصاروخين اللذين أطلقا أول أمس تجاه مستوطنة سيدروت، هما ضمن معادلة الاعتماد على النفس في تحقيق هدف تخفيف الحصار.
جيش العدو لم يرد على إطلاق القذيفتين على سيدروت، وهو لم يرد ليس لأن قائمة منصور العربية هددت بالانسحاب من الائتلاف الحكومي، بل لأن الاحتلال يعلم أن تجدد القتال ليس في صالح حكومته، وأن التجدد قد يفيد الفصائل في غزة، لذا ذهب إلى البديل اللفظي، وهو التهديد بتجديد القتال والقصف، وتحميل حماس المسؤولية.
الفصائل في غزة فيما يبدو قد قررت الاستمرار في المناوشات المتفرقة، وعمليات التنقيط بلغة جيش الاحتلال، حتى ينصاع المحتل لمطلب تخفيف الحصار، بتدخل من الوسطاء أو دون تدخلهم.
لا يمكن لغزة أن تغرق وحدها في الحصار، وتقف تتفرج على الكارثة دون أن يدفع العدو ثمن ما يفرض من حصار هو في الأصل فرع عن الاحتلال الذي شرعت القوانين الدولية مقاومته. الاحتلال في القانون الدولي يعني بالدرجة الأولى أن على المحتل القيام بالواجبات المدنية كاملة للمواطنين، ويعني أيضا أنه سيتعرض لمقاومة من الشعب الواقع تحت الاحتلال. ما أود قوله أن غزة حين تتحدث عن تخفيف الحصار لا تتخذه بديلا عن إزالة الاحتلال والاستقلال. وعلى المحتل أن يلتزم بالمعادلة القانونية للدولة المحتلة، وعليه ألا يقفز عنها محملا غزة المسؤولية. يقتلني ويُحمِّلني المسؤولية عن موتي.