فلسطين أون لاين

تقرير درويش.. لاجئ فلسطيني صاحب "اختراعات هندسية" ببصمة ٤٨

...
عامر أحمد درويش، شاب فلسطيني لاجئ في لبنان "أرشيف"
غزة/ هدى الدلو:

في السادسة من عمره كان عامر يفكك كل لعبة تصل إلى يده ليفهم طريقة عملها ويستكشف قطعها ومحركاتها، ثم يجمعها من جديد، وما كان يعينه على ذلك الأدوات اللازمة المتوفرة لدى والده، ليعشق هواية الابتكارات الهندسية التي طورها في السنوات الأخيرة حتى تمكن من ابتكار أجهزة وتسجيل براءات اختراع باسمه.

عامر أحمد درويش، شاب فلسطيني لاجئ في لبنان، ولد في مخيم البداوي عام 1988، وترجع أصوله لقرية نحف قضاء عكا، في فلسطين المحتلة، توفيت أمه وهو رضيع، فاحتضنته جدته، وشب في بيتها، ولعل ذلك كان من أبرز أسباب حبه الشديد لوطنه فلسطين، وتعلقه به، فلا تزال صورة جدته وهي تبكي كل يوم شوقًا للوطن، فلا تزال حكاياتها عن فلسطين مصدرًا لفخره، وقد صحبته جدته قبل وفاتها في زيارة للوطن المحتل عام 1994.

بدأ درويش رحلة الإبداع في سن صغيرة وقد مرت بعدة مراحل، كمرحلة صنع الألعاب والتعديل عليها في عمر الثالثة عشرة، حيث صنع قوارب صغيرة من مادة "الفلين" يثبت عليها محركًا يعمل على البطاريات، ويستمتع بمراقبتها وهي تسير في الماء.

ويضيف: "كنت أحول حركة ألعابي اليدوية إلى حركة كهربائية، وأتحكم بها من خلال جهاز تحكم سلكي، ثم انتقلت إلى مرحلة تصنيع الأجهزة البسيطة، وصنعت في أول تجربة جهاز "فولت ميتر" بأدوات بدائية، كنت حينها في الصف الأول الثانوي، كان الأمر لي تحديًا إذ أردت إثبات جدارتي في صف الفيزياء بعد أن أخبرت معلمي بقدرتي على صنع جهاز يقوم بمهمة الجهاز ذاته".

أحب درويش العلم والاستكشاف والاختراع إلا أنه لم يكن محبًا للمواد الأدبية، ولم يرغب في حفظها مما أثر على مستوى تحصيله، وحرمه من إكمال دراسته في المسار العلمي، لأن نظام التعليم يفرض على طالب العلمي أن يحصل على معدل ٦٥٪ فما فوق.

ويشير إلى أنه أجبر على المتابعة في الفرع الأدبي ولم يتمكن من دراسة الهندسة، واختار دراسة إدارة الأعمال في الجامعة، ورغم حصوله على درجة الماجستير إلا أنه لم يحصل على فرصة عمل لأنه فلسطيني، فعمل في قطاع الأعمال الحرة والذي اكتسب منه خبرة كبيرة.

ابتكارات هندسية

ويتابع درويش حديثه: "بعد ذلك اشتريت جرافة خاصة للعمل، وفي أحد الأيام تعرضت لحادث عمل تسبب بكسر يدي فاضطرت لأخذ عطلة استشفاء طويلة، وفي أثناء ذلك جاءته فكرة إمكانية العمل بالجرافة من خلال جهاز تحكم لاسلكي".

وإذا كانت الحاجة أم الاختراع، فحاجة درويش للعمل دفعته لتسخير شغفه الهندسي في اختراع يمكن كل مصاب من القيادة عن بعد من خلال هاتفه الذكي، وكان هذا أول اختراع حقيقي له، حصل به على شهادة اختراع، ثم تبعه إنجازات أخرى.

أطلق على جهازه (48 BlueDrive) ويثبت على الآليات الثقيلة ويعمل بتقنية "البلوتوث" كوسيلة اتصال بين الجهاز والهاتف، وهو مزود بكاميرا تتيح رؤية واضحة للأعمال التي يراد إنجازها.

ويشير درويش إلى أن الجهاز يتيح العمل لأصحاب الإعاقة الجسدية، والمصابين، ويساهم في حماية السائق من الإصابات، وحوادث العمل.

منظومة إطفاء

وتحدث درويش عن الاختراع الثاني (Pals FireFighter 48) وهو منظومة الإطفاء والإنقاذ الفلسطينية، وتتألف من روبوت إطفاء يعمل بالطاقة الشمسية، ويتم التحكم بأجزائها كافة عبر الهواتف الذكية. وتتضمن المنظومة خرطوم المياه التقليدي، وأسطوانات الرغوة والبودرة وغيرها، بحيث يمكن اختيار الخيار المناسب للاستخدام، وكذلك يستطيع الروبوت القيام بمهمة الإسعاف وإخراج مصابين بالغين اثنين دفعة واحدة من داخل المناطق الخطرة.

ويبين أن من مميزات الاختراع الثانوية، إصدار أصوات وإشارات مرئية ملونة ورفع أوتوماتيكي لأعلام تتضمن إرشادات للمحاصرين، وكذلك قدرته على تثبيت نفسه على الأسطح المختلفة من أجل الثبات خلال أداء المهمات القاسية مثل ضخ المياه بضغوطات عالية ولمسافات بعيدة.

بينما الاختراع الثالث (Corona Fighter 48) كان عام ٢٠٢٠ وهو عبارة عن جهاز إلكتروني صغير يلصق بالهواتف الذكية، ويقدم مجموعة خدمات لحاملي الهواتف الذكية، ومنها يقوم بوظيفة التعقيم بشكل سهل وكفاءة عالية وتكلفة رخيصة، ويقدم كذلك خدمة الشحن اللاسلكي للهواتف الذكية كبنك طاقة ملتصق ومرافق لحملة الهواتف الذكية خلال نشاطاتهم اليومية.

ويستكمل درويش: "كان الدافع لاختراع هذا الجهاز جائحة كورونا التي تفشّت في المخيمات اللبنانية في ظل تقليص خدمات الأونروا المقدمة للاجئين الفلسطينيين، وضعف القطاع الصحي".

غرف تعقيم بديلة

وبالنسبة لاختراع درويش الأخير (Full Body Sanitizer 48)، فيعرفه على أنه بديل لغرف التعقيم التقليدية، وتنازل عن حقوق ملكيته الفكرية فيه لصالح الدول الفقيرة المحرومة من اللقاحات.

ويوضح أن الجهاز يعمل تلقائيًّا لحظة وقوف المستخدم على منصته الرئيسة، حيث يقوم عمود المرشات بالدوران حول المستخدم، مطلقًا الرذاذ من جميع الأبعاد بالكثافة والسرعة المحددة مسبقًا من المستخدم وفق حاجته.

وينبه درويش إلى أن جهازه الجديد يحدد تلقائيًّا طول الشخص الآدمي، ويعطي الأمر بتشغيل المرشات حسب طوله فقط، لتكون عملية التعقيم اقتصادية وصحية قدر الإمكان وفق توصيات المنظمات الصحية الداعية لتجنّب التعرض لكميات مفرطة من المعقمات.

والجهاز قابل للشحن الكهربائي ويلبي العمل على مدار اليوم في البلدان التي لا تزال تعاني من تقنين ساعات التغذية بالتيار الكهربائي، كلبنان.

عقبات

وهناك صعوبات تلاحق المخترع درويش، منها عدم تمكنه من الحصول على تأشيرات للمشاركة في مؤتمرات خارج لبنان، بسبب جواز السفر الذي يحمله، وهو جواز سفر اللاجئين، علمًا أن مهنته تحتاج إلى السفر لكي يؤمن أدوات يستخدمها في اختراعاته، مما لا يتوفر في لبنان.

ويقول: "أتلقى العديد من الدعوات من المهندسين، لحضور مؤتمرات دولية للمشاركة فيها، لكنّ العائق أمامي هو الحصول على التأشيرة".

ولا تزال جعبة درويش مليئة بالأفكار، كعدم توفر القطع المناسبة لاختراعاته؛ ما يضطره إلى البحث عن بدائل من قطع السيارات المستعملة، والماكينات القديمة والتعديل عليها وتصميمها بالشكل المناسب لابتكاراته.

ويشير كذلك إلى عدم قدرته على حماية ملكيته الفكرية، وبالتالي عدم قدرته على استثمار أفكاره بتحويلها إلى منتجات تجارية، مضيفًا: "لا يحق للاجئ الفلسطيني الحصول على براءة اختراع دولية تحميه من السرقة، لأنه في القوانين الدولية إنسان بلا وطن، إلى جانب الرسوم والضرائب السنوية المفروضة على براءات الاختراع التي حصلت عليها".

" حق عودتنا كلاجئين فلسطينيين لا مساومة فيه، ونحن كلاجئين على يقين بقرب عودتنا إلى وطننا الذي هُجرنا منه ظلمًا، وقد أرفقت رقم ٤٨ في جميع ابتكاراتي الهندسية للدلالة عن ثبات حقنا القطعي بالعودة، هذا الرقم ارتبط يحمل صورة سوداوية في الذاكرة الفلسطينية وأريد إعادة بنائه وربطه بالإنجازات العلمية والأمل والتفاؤل"، يختم درويش حديثه.