في الوقت الذي توقع فيه السلطة الفلسطينية اتفاقًا أمنيًا مع الإدارة الأمريكية لتعزيز الفعل الأمني لأجهزة السلطة في الضفة الغربية، وتقويض نشاط أذرع المقاومة هناك، يواصل قطعان جيش الاحتلال الصهيوني اقتحام المدن والمخيمات تحت حراسة ومتابعة القيادة الأمنية لسلطة المقاطعة، ما أدى لارتقاء أربعة شهداء في مخيم جنين فجر أمس، وهو العرف الذي أصبح سائدًا في ساحات الضفة التي تحولت إلى بؤر مواجهات مفتوحة مع العدو الصهيوني، وهذا يؤكد أن الثلاثي الأمني: الإدارة الأمريكية والاحتلال الصهيوني والسلطة الفلسطينية بصدد تنفيذ الخطة الجديدة التي تدعم وتعزز وجود السلطة، وتكبح جماح خلايا المقاومة في كل الأماكن الأخرى.
وهو ما صرحت به الإدارة الأمريكية للتعاون مع الاحتلال الصهيوني لتوسعة العلاقات الأمنية الأمريكية مع أجهزة أمن السلطة، لوضع كل الترتيبات التي من خلالها تقدم الإدارة الأمريكية المساعدات المادية لتغطية كل النفقات وتحمّل الأعباء التي قيدت قدرة السلطة في بسط سيطرتها الأمنية الكاملة على الضفة الغربية سابقًا، خاصة أنها فشلت في إدارة صراع كي الوعي الذي ينسجم مع أحد أهداف مشاريع الاحتلال والذي عمل لأجله سنوات طويلة، وهو ما كشفت عنه معركة سيف القدس المجيدة، التي أظهرت عجز أدوات الاحتلال عن الوصول إلى أبناء شعبنا لتحقيق هذه الغاية.
وقد أصبح التحول في المسار الأمني الأمريكي تجاه الفلسطينيين يمر بالكثير من التحديات، منها تحديات تتعلق بسلوك المواطنين الداعمين لمشروع المقاومة، والذي يدعم الفعل الثوري على الأرض، ويؤكد أن الفلسطينيين هم أصحاب الحق، وأن المبادئ والقيم التي يظهرها هذا السلوك ليست مجرد شعارات، بل هي ثقافة تتجذر بين المجتمع الفلسطيني، وتترجم على الأرض بالنمط الذي يقلق الاحتلال ويجعله يبحث عن أدوات مساعِدة لإنجاح أي خطط أمنية للحد من هذا السلوك.
وبالتالي كان الأثر واضحًا في معركة سيف القدس التي حملت للعدو مفاجآت تتعلق بالترابط الوطني الفلسطيني الذي لا يمكن قراءته أمنيًا، ولا يمكن تحديد مستوياته على المدى البعيد، ولا يمكن للعدو الصهيوني أن يفكك هذه البيئة بالتنسيق الأمني، أو التصفية المتكررة، أو ارتفاع وتيرة التهديد والتصعيد، لأن الضغط الذي تعرض له الاحتلال من جبهات عدة، ساهم في نقل المسار الأمني إلى فعل عملياتي مفتوح وفقًا للخطة الأمريكية التي حددت استراتيجية السلطة أمنيًا وسياسيًا في إدارتها للحكم بمحافظات الضفة الغربية.
إن نجاح هذه الخطة مرهون بمدى الفعل الثوري على الأرض، ومستويات ردود المقاومة على هذه الجريمة، وسرعة الانتقال إلى الاشتباك المباشر مع العدو، وهو ما يتوقف على قدرة الالتحام الشعبي من خلال هبّة جماهيرية في كل المدن والمخيمات، لقطع الطريق والتصدي لكل السيناريوهات التي أعدتها القوى الخارجية لتفتيت البيئة المترابطة في الضفة، لاسيما أن هذه البيئة شكّلت نجاحًا استراتيجيًا في دعم ثورة باب العمود المباركة التي أشعلت حربًا انتصرت فيها المقاومة على جيش الاحتلال.
وأخيرًا رحم الله شهداءنا وأسكنهم الفردوس الأعلى، وألهم أهلهم الصبر وربط على قلوبهم بثبات ويقين بنصر مبين.