لم يترك رئيس السلطة محمود عباس مؤسسة وطنية أو رسمية إلا وتدخل في أنظمتها وقوانينها؛ لإحكام سيطرته عليها، وتعيين موالين له في قيادتها، كما فعل أخيرًا مع مؤسسة الرئيس الراحل ياسر عرفات، بإقالة رئيسها ناصر القدوة.
وعمد عباس إلى تعيين رئيس جديد لمؤسسة عرفات، دون الرجوع للأمناء العامين فيها وفق النظام الذي ينظم عمل المؤسسة، وهو ما يعد تفردا منه بعمل المؤسسة، وعدم احترام نظامها الداخلي.
وتسببت قرارات عباس بتقديم مجموعة من أمناء المؤسسة استقالاتهم، بسبب تعديه على صلاحيات مجلس الأمناء، وتحييد عدد من أعضائه لأسباب سياسية وغير ذات صلة بالنظام، بما في ذلك قرار عزل رئيس مجلس الإدارة المنتخب القدوة.
وسبق تلك الاستقالات الجماعية، تقديم الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى رسالة استقالته من رئاسة مجلس أمناء المؤسسة، ونشره تلميحات عن تدخل عباس في عمل المؤسسة.
وعقب جملة الاستقالات سارعت السلطة إلى انتخاب أعضاء جدد لمجلس أمناء مؤسسة عرفات، متجاهلين مطالب المجلس السابق بوقف تدخل عباس في عمل المؤسسة.
ويهدف "أبو مازن" بتلك التدخلات، بحسب مراقبين، إلى إنهاء إرث الراحل عرفات، عبر إدخال الخلافات الشخصية والتنظيمية في عمل المؤسسة.
وتتمتع المؤسسة بالاستقلالية القانونية والمالية والإدارية ويقود عملَها هيئاتُها القيادية، كما تتلقى دعمًا حكوميًّا، وتقوم بمهام ذات طابع حكومي تجاه تراث الرئيس الراحل، وكان الهدف من تأسيسها عام 2007 المحافظة على تراث عرفات، وتنفيذ أنشطة خيرية وإنسانية واجتماعية وأكاديمية خدمةً للشعب الفلسطيني.
قرارات فردية
وأوضحت نور عودة عضو مجلس الأمناء التي قدمت استقالتها من مؤسسة ياسر عرفات، أن ما يحدث في المؤسسة من خلال المراسيم الجديدة وتعيين شخصيات فيها دون الرجوع إلى نظامها الداخلي، تعديا على النظام الأساسي وصلاحيات مجلس الأمناء.
وقالت عودة لصحيفة "فلسطين": إن "ما يحدث هو تفرد في القرارات وتسييس لها، وبالتالي أصبح الاستمرار في مجلس الأمناء على الوضع الحالي يجعلنا شركاء في تلك القرارات، لذلك جاءت الاستقالة حرصًا على المؤسسة".
وبينت أن ما يحدث في مؤسسة عرفات يؤثر في قدرتها على إتمام مهامها في المحافظة على إرث الرئيس الراحل (أبو عمار) وتوعية الجيل الشاب ونشر الرسالة التي أفنى حياته من أجلها.
وأكدت أن مؤسسة ياسر عرفات، ليست محلية بل ذات بعد عربي يجب الحفاظ عليها، خاصة أن هناك شخصيات عربية موجودة فيها منذ التأسيس، وهم من رفقاء الرئيس الراحل، لذلك يجب احترام النظام الداخلي لها، ووقف الحكم بالمراسيم الجديدة.
وأشارت عودة إلى أن استقالتها سبقتها استقالة الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، وعضو مجلس الأمناء للمؤسسة د. نبيل فهمي، وزير الخارجية المصري السابق، استقالته أيضًا من المؤسسة، بسبب تلك التدخلات الخارجية.
تغول سلطة عباس
وأكد المتحدث باسم التيار الإصلاحي الديمقراطي في حركة "فتح" ديمتري دلياني، أن الاستقالات الجماعية لأعضاء مجلس أمناء مؤسسة ياسر عرفات، جاءت بسبب تغول السلطة التنفيذية في رام الله على المؤسسة ونظامها الداخلي.
وقال دلياني لصحيفة "فلسطين: إن جملة القرارات بقوانين التي أصدرها رئيس السلطة محمود عباس والمخالفة للقانون الأساسي الفلسطيني، "جعلته يتحكم في جميع المؤسسات المدنية في الضفة بما فيها مؤسسة ياسر عرفات".
وعد التطورات الجديدة في مؤسسة عرفات إحدى الظواهر التي تعيشها الضفة من انعدام النظام، وغياب رقابة المجلس التشريعي وسن القوانين، "لذلك جاءت الاستقالة التي تعكس حالة الدمار التي تعيشها المؤسسة".
وبين أن جميع القرارات بقانون التي يصدرها عباس، "تأتي بناء على رغبة شخصية للأخير ولمن حوله، وهو ما جعل النظام السياسي والإداري الفلسطيني برمته تحت الرغبات الشخصية للرئيس".
وأكد دلياني أن تدخل عباس في عمل مؤسسة عرفات سيضعفها دوليا وخاصة أنه "يعمل على إبدال القيادات السياسية والمفكرين والمبدعين بموظفين ليسوا على قدر وكفاءة".