في ظل الحديث الأممي عن موجة جديدة من متحور دلتا الفتاك والسريع الانتشار، وفي حين أن غالبية دول العالم تسابق الزمن في تطعيم أكبر عدد ممكن من سكانها ضد مرض كوفيد- ١٩، نجد أن وتيرة التطعيم في فلسطين وعلى وجه الخصوص في قطاع غزة بطيئة، بل وهناك عزوف عن تلقيه مرَدُّه إما إلى الخوف من المضاعفات والآثار الجانبية المحتملة وإما إلى التضليل والإشاعات حول اللقاحات التي تتسلل إلى الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
حيث تفيد آخر الإحصائيات بأن ما يقارب 5,3% فقط من سكان القطاع قد حصلوا إما على تلقيح جزئي وإما كامل، بالرغم من وجود المطاعيم بكميات معقولة، أما في الضفة الغربية فتقترب النسبة من 15,8%، في حين تخطت العديد من دول العالم عتبة الـ 50%، ووصلت في دولة الاحتلال إلى 62% وفي كندا وإسبانيا إلى 72% من تعداد السكان.
بالرغم من بعض المضاعفات الشديدة والنادرة المصاحبة للقاحات فإن فوائد أخذها تفوق الأضرار الناجمة عن المضاعفات الخطرة من جراء الإصابة بالفيروس، ولا تبرر الرفض المطلق لها، كما في ظل تراجع حدة الإصابات وقلة نسبة الوفيات هذه الأيام إلا أن كوفيد- ١٩ لا يزال يعتبر مرضاً خطِراً ولا يمكن التنبؤ بمساره، خاصة مع وجود سلالات نشطة منه، ويمكن أن يترك لدى الأشخاص المصابين به أعراضًا طويلة الأمد.
بحكم الكثافة السكانية الكبيرة والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الصعبة التي يعيشها سكان القطاع، فإن الحاجة لديهم تكون ماسة أكثر من غيرهم للمبادرة بأخذ اللقاحات، حتى تُوفّر الحماية لهم، خاصة في ظل تدني مستوى الخدمات الصحية بفعل الحصار واعتداءات الاحتلال المتكررة.
ولعل الخوف الكبير من أخذ اللقاح الذي أصبح أقرب إلى الظاهرة غير المبررة مدعاة لتغيير الأسلوب وسياسات التعامل مع هذا الأمر على قاعدة الترغيب والترهيب، مثل تقديم بعض الامتيازات إلى المطعمين أو التفكير في إجبارية وفرض اللقاح على بعض الفئات مثل المعلمين وموظفي الصحة والشرطة ورجال الأمن والمقاومة على غرار ما قررته بعض الدول مؤخرا، مثل: الولايات المتحدة الأمريكية، التي قررت إلزامية فرض التطعيم على العسكريين، وباكستان بإلزامية فرضه على المعلمين بدءًا من الشهر القادم.
وللتشجيع على التطعيم ينبغي القيام بحملات توعوية مركزة تتعدى المخاطبة عبر وسائل الإعلام التقليدية من خلال نزول العاملين في القطاع الصحي إلى الميدان ومخاطبة الفئات المستهدفة والحديث معها مباشرة حول خطورة المرض وتبيان فوائد أخذ اللقاح، وسيكون لذلك وقع كبير أيضا عبر مشاركة مؤسسات المجتمع المدني الأخرى في الحملات وعلى رأسها الفصائل والأحزاب السياسية عبر البدء بتطعيم أعضائها ومنتسبيها وذويهم، وكذلك وزارة الأوقاف عبر استنهاض أئمة المساجد وخطبائها للحث على أهمية اللقاح.
فوائد اللقاحات:
لقد أثبتت غالبية اللقاحات المعتمدة دوليا بأنها آمنة وذات فعالية عالية وحققت الكثير من المكتسبات والفوائد الصحية نذكر منها:
١-تقليل نسبة الوفيات لدى الأشخاص الذين تلقوا التطعيمات، حيث أفاد تقرير حديث لموقع "هيلث دايجست" (health digest) الأمريكي، بأن 99.5% من وفيات كوفيد-19 اعتبارًا من أوائل يوليو 2021 حدثت لدى أشخاص غير حاصلين على اللقاح.
٢- تقليل نسبة الإصابات الخطرة لدى الأشخاص الذين تلقوا التطعيمات، حيث أفاد ذات التقرير بأن 93% من الملقحين لا يحتاجون إلى دخول المستشفى في حال الإصابة بالفيروس.
وهذا معناه أن اللقاح مهم جداً للحفاظ على الفئات الضعيفة والأكثر عرضة للإصابة بمضاعفات خطرة مثل كبار السن وذوي الأمراض المزمنة وذوي المناعة المنخفضة ومرضى السرطان والمدخنين وذوي البدانة المفرطة.
٣-تقليل نسبة الدخول إلى المستشفيات من شأنه توفير أكبر عدد ممكن من الأَسِرّة، وخاصة في أقسام العناية المكثفة التي هي مهمة لضمان خدمات صحية جيدة لفئات أخرى من المرضى في المجتمع. ومن شأن ذلك أيضاً أن يؤدي إلى تقليل الإغلاقات الشاملة والخسائر الاقتصادية والاقتراب من التعامل مع الفيروس على اعتبار أنه مثل فيروسات الإنفلونزا الموسمية.
٤- في حالة إصابة الأشخاص الملقحين، فإن الأعراض تكون لديهم أقل حدة، وخاصة الحمى وضيق النفس والسعال المستمر، والفترة الزمنية اللازمة للتعافي تكون لديهم أقصر من تلك التي عند الأشخاص الذين لم يأخذوا اللقاح، وذلك استناداً إلى دراسة علمية نُشرت بمجلة "نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسين"، أفادت بأن من طُعِّموا لديهم حمل فيروسي (viral load) أقل مما لدى غير المطعمين.
الإصابة بكورونا بعد التلقيح:
ويبقى هناك سؤال مبرر، وهو أنه إذا كان اللقاح جيد ومفيد فلماذا تحدث إصابات بالفيروس عند الأشخاص المُلَقَّحِين؟
بداية لا بد من التوضيح بأن غالبية الأشخاص الذين أصيبوا بعد أخذ اللقاحات كانت إصاباتهم طفيفة أو حتى لم تظهر عليهم أي أعراض، ونادراً ما تسبب ذلك بإصابات حرجة أو وفيات.
ويعود تفسير الإصابة إلى واحدة من النقاط التالية:
١- قد يكون الشخص الذي طُعِّم أصيب بالفيروس قبل وقت قصير من أخذ التطعيم، وبدأت الأعراض تظهر عليه لاحقا، لأن متوسط فترة حضانة المرض تتراوح بين ٥-٦ أيام.
٢- قد يكون الشخص الذي طُعِّم قد أصيب بالفيروس بعد وقت قصير من أخذ التطعيم؛ أي في الفترة التي لم تتشكل فيها بعدُ الحماية اللازمة ضد الإصابة بالفيروس، والتي تتراوح عادة بين 10 إلى 14 يومًا بعد أخذ الجرعة الأولى.
٣- نظرًا إلى أن التطعيم ضد كوفيد- ١٩ لا يضمن حماية بنسبة 100 ٪، وخاصة ضد متحور دلتا، فتبقى احتمالات أن يصاب الشخص بالعدوى بعد أخذ التطعيم كاملا واردة.
٤- ممكن أن تكون نتيجة فحص كورونا إيجابية كاذبة، وهي حالة نادرة الحدوث إذا استُخدمت فحوصات الـ PCR.