أول أمس الاثنين، ودّع العالم عامًا هجريًّا، واستقبل عامًا جديدًا. فكل عام وأنتم بخير. خاتمة العام الهجري المنصرم حملت صدمة كبيرة للفلسطينيين. الصدمة جاءت لهم من الدولة التي تحظى منهم باحترام كبير وتقدير أكبر. الصدمة حملت جرحًا عميقًا من الشقيق الإسلامي الكبير، من الدولة السعودية التي تحمل لواء الإسلام وتحتكم إليه في معاملاتها. جرح القريب آلم من جراح الغريب. ألم الغريب متوقع، وألم القريب يأتي على غير توقع.
والله تألمنا، والله حزنا، كيف لبلد إسلامي يقوم على خدمة الحرمين الشريفين أن يعاقب فلسطينيا بأحكام قاسية مغلظة لأنه يعمل لخدمة المسجد الأقصى، أولى القبلتين؟ سؤال كيف هذا هو جرح آخر بالإضافة لجراح الأحكام المؤلمة القاسية، وهو سؤال ينبش في الأعماق، ويتجدد في كل وقت وحين، لا سيما بين أطفال وأسر المحكومين.
الهجرة تكون عادة من مكروه إلى محبوب، وهجرة الرسول لم تكن كذلك، بل كانت من محبوب هو أحب بلاد الله إليه، لذا قال المدققون من أهل اللغة الأنسب أن نقول مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي من هاجر، وليس من هجر، لننفي البعد السلبي في كلمة هجرة. وبالمناسبة كانت المملكة مهاجر الفلسطيني في عصرنا الحديث للعمل وطلب الرزق وليست هجرة، فالفلسطيني يحب بلاده فلسطين، ولا يرى لها شبيها، ولا يُقدِّم على الحرمين بقعة أخرى. أي الفلسطيني هاجر من بلد يحبه، لآخر يحبه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أحبه.
بلاد الأحبة لم يتجلَّ لها الحب الذي يسكن الفلسطيني. مكة أحب بلاد الله لنا، والقدس قبلة مكة الأولى، ومهبط الأنبياء، والأرض المباركة، ومجتمع النبيين فيها، فهي ومكة على خط الوحي، ومعراج النبوة، قديما وحديثا، وهي أرض المحشر والمنشر، ومهبط عيسى ومركز دولة الإسلام على منهاج النبوة، وفيها يقتل الدجال. هذه الأرض المباركة جرحتهم أحكام القضاء السعودي بتعسفه الذي يعجز الشرع عن فهمه، والمؤسف أنهم جعلوا جراحهم هذه خاتمة لعام هجري، وبداية يستقبلون بها عاما جديدا، وكأن الهجرة بمعانيها الرسالية المحمدية لم تعد موجودة، مع أن عادة قادة المملكة فيها كانت العفو.
نعم عادتهم فيها كانت العفو عن المذنبين استقبالا للعام الهجري، وغبطة بالمناسبة الكريمة التي احتضنت رحمة الله للعالمين. أين الملك وعفوه عن أبناء بيت المقدس بعد أن شمّتت الأحكام القاسية الإسرائيليين، الذين زعموا أنهم لو كانوا عندنا ما حكموا بهذه الأحكام. الهجرة كانت رسالة نصر ورحمة في تاريخ المملكة، وعفو الملك سلمان وولي عهده عن أبناء بيت المقدس وأكنافه هو عودة بالمملكة إلى معاني النصر والرحمة والهجرة. هكذا نفهم الهجرة.