لن يجرؤ العدو الإسرائيلي على مهاجمة إيران مباشرة، وقد أثبتت السنوات الماضية أن كل تهديدات القادة الإسرائيليين لم تخرج إلى حيز التنفيذ، وظلت التهديدات تهدف إلى تحريض أمريكا وحلفائها على العمل ضد إيران، وتقديم المزيد من المساعدات العسكرية والمالية لـ(إسرائيل)، وقد نجحت هذه السياسة في تحقيق أهدافها حتى اللحظة.
التحريض الإسرائيلي ضد إيران، والتحشيد الدولي ضدها لا يختلف كثيرًا عن التحريض الإسرائيلي قبل سنوات على ضرب العراق، حتى إذا اكتمل تشكيل التحالف الدولي ضد بلاد الرافدين، نأى العدو الإسرائيلي بمقدراته عن المشاركة في التحالف الدولي، أو تم استثناؤها، وفق السياسة الأمريكية التي رأت أن تظل إسرائيل في منأى عن المشاركة في ضرب العراق، حرصًا على سلامة التحالف الذي تشارك فيه عدة دول عربية، وهذا ما تسعى إليه (إسرائيل) في هذه الأيام، إنها تسعى إلى تشكيل حلف غربي مع بعض الدول العربية، يقوم بمهمة ضرب إيران نيابة عنها، لتظل في منأى عن التورط في حرب مفتوحة غير مضمونة النتائج.
الحرص الأمريكي على عدم تورط (إسرائيل) في أي مواجهة مع إيران يعكس الحرص الأمريكي على أمن وسلامة (إسرائيل)، فـ(إسرائيل) تمثل ركيزة الأمن الأمريكي في المنطقة، وانهيار الأسطورة الإسرائيلية التي لا تقهر، يعني انهيار السياسة الأمريكية في الشرق، وهذا ما تدركه السياسة الإيرانية التي تحرص على أن تكون (إسرائيل) في قلب أي مواجهة، وفي صلب أي صراع قد ينشب في مياه الخليج، فـ(إسرائيل) نقطة الضعف الأمريكية، وهذا ما تدركه إيران، وما تحرص على توظيفه جيدًا.
(إسرائيل) هي نقطة ضعف أمريكا في المنطقة، وهي القاعدة الأمريكية الهشة، والقابلة للتفكك والاختفاء عن الخارطة من أي مواجهة، لذلك تحرص إيران على الزج باسم (إسرائيل) في أي مواجهة قادمة، ولا تترد عن ذكر مسح (إسرائيل) عن الخريطة؛ مجرد التلويح بأي إجراءات عسكرية ضد إيران، وبهذا المنطق السياسي الدقيق والحساس تتجلى قيمة حزب الله الاستراتيجية، وقوة تأثره على مسار الأحداث في المنطقة، فهذه القوة العسكرية المتراكمة التي بناها حزب الله بدعم إيراني مباشر، هي ورقة إيران القوية في المنطقة، وهي السيف المصلت على العنق الإسرائيلية.
قبل يومين؛ انطلقت صواريخ حزب الله داخل مزارع شبعا، وكانت تحمل رسالة من شقين، الأول يتعلق بأوضاع لبنان الداخلية، والضائقة الاقتصادية التي حبكت خيوطها (إسرائيل) وحلفاؤها، فجاءت الصواريخ لتقول: لن نموت وحدنا، ولن نركع للضغوط، وسنقاتل حتى يرفع الحصار عن لبنان، أما الشق الثاني: فلا أمن لـ(إسرائيل) إذا تعرض أمن إيران لأي خطر من التحالف الغربي؛ الذي يجري تشكيله من بريطانيا ورومانيا وأمريكا حتى هذه اللحظة.
لقد قطعت صواريخ حزب الله طريق التهديدات الإسرائيلية والأمريكية ضد إيران، وتحدثت الصواريخ بلغة القوة: نحن هنا، ولا حرب ضد إيران دون أن تكون (إسرائيل) في قلب المعركة، والمعركة لن تقف عند حدود شمال فلسطين المحتلة، وهذا هو منطلق الفزع الإسرائيلي، والخشية من حرب شاملة مع حزب الله، لذلك تتفادى (إسرائيل) التصعيد، وتكتفي بما تحيكه من مؤامرات، وما تدبره من عقوبات اقتصادية ضد لبنان، وبعد التشاور مع أمريكا، لم تقصف طائراتها لبنان، ولجأت بدلًا من ذلك إلى قصف مواقع للمقاومة الفلسطينية في غزة، في خطوة تفضح الضعف الإسرائيلي، أو تكشف الحذر الإسرائيلي من نبش عش الدبابير في لبنان.
تطور الأحداث في المنطقة يؤكد أن الربط بين المقاومة في قطاع غزة وبين المقاومة في الجنوب اللبناني، لا يقل أهمية عن الربط بين مصير حزب الله في لبنان وبين مصير إيران، فالعدو واحد على كل الجبهات، والمعركة واحدة، والمصير واحد في كل ساحات المواجهة، وعليه يجب أن يكون قرار الدفاع عن المقدسات الإسلامية والأراضي الفلسطينية واللبنانية والإيرانية قرارًا موحدًا وجريئًا، لا يخشى اللائمين، ولا يرتهن لحسابات المطبعين.