قررت واشنطن رفع المعونة العسكرية لـ(إسرائيل) إلى 3.3 مليار دولار بخلاف المعونات والهبات التي تقدر بالمليارات، وفكرة هذه المعونة يمكن تفسيرها في إطارين: الأول أن واشنطن تعد (إسرائيل) أحد مكونات الأمن القومي الأمريكي، والثاني أن هذه المعونة الإضافية المعلنة أقرت لتشجيع (إسرائيل) على المضي قدمًا في معاهدة السلام مع مصر، إذ أقرت لمصر أيضًا 1.3 مليار دولار معونة عسكرية واقتصادية، لكن الاقتصاد المصري لا يستفيد منها جميعًا شيئًا، فهذه المعونة أداة للسيطرة على الجيش المصري واختراقه والهيمنة الأمريكية على مصر، وكان يجب على مصر أن تطالب هي كذلك بزيادة المعونة، مع ملاحظة أن المعونة لمصر يختلف هدفها ومدلولها لدى (إسرائيل)، فهي أيضًا لمصلحة (إسرائيل)، لأن المعونة تبعد خطر مصر عن (إسرائيل)، أيضًا هذه المعونة تدخل في العلاقات المصرية الأمريكية في إطار الهيمنة على مصر وجيشها، وتشجيع القيادات العسكرية على التمسك بالحكم العسكري، وهو أهم ضمانة للمصالح الأمريكية والإسرائيلية.
هذا المنطق المقارن بين المعونة لمصر والمعونة لـ(إسرائيل) يشبه المعونة لكل من تركيا واليونان في أواسط السبعينيات من القرن الماضي، إذ قررت 7 مليارات دولار لليونان و3 مليارات لتركيا، ومعلوم أن المعونة الأمريكية كالعادة تخفي الهيمنة الأمريكية على الدول التي تتلقى المعونة.
ولرفع المعونة الأمريكية في هذا الظرف وتحت هذه الإدارة دلالات متعددة:
الدلالة الأولى: أن واشنطن تشجع استخدام (إسرائيل) القوة العسكرية ضد جيرانها.
الدلالة الثانية: هي أن واشنطن تؤكد دعمها لـ(إسرائيل)، لدعم الاستقرار الداخلي، وإرضاء الصهيونية العالمية وشل قدرتها في العمل ضد بايدن، ولم يشفع عندهم أنه صرح عندما كان نائبًا لأوباما أنه صهيوني أكثر من (إسرائيل)، وقد دلل الرجل على صدقه، ولكنها المؤامرة فيما يتعلق بالموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية.
الدلالة الثالثة: هي تشجيع (إسرائيل) على المضي في سياسات واشطن، وطرد الفلسطينيين من بيوتهم وقهرهم.
الدلالة الرابعة: هي أن واشنطن ترسل رسالة لإيران في ضوء التوتر الحالي بين إيران و(إسرائيل).
الدلالة الخامسة: هي أن واشنطن مخلصة لمساعدة (إسرائيل) على تحقيق صفقة القرن التي أبرمها ترامب مع نتنياهو.
الدلالة السادسة: هي تكريس لعزم واشنطن على توسيع دائرة الاعتراف العربي بـ(إسرائيل) تطبيقًا لنظرية نتنياهو، وهي أن القوة المفرطة تدفع العبيد العرب إلى الارتماء في أحضان (إسرائيل)، إما يأسًا من المواجهة أو إعجابا بالجلاد أو للاستعانة بها ضد إيران، ذلك الخطر الوهمي الذي طورته واشنطن لدى دول الخليج.
الدلالة السابعة: هي أن واشنطن لا تزال مصرة على المعادلة الوهمية، وهي أن قوة (إسرائيل) يجب أن تفوق قوة العرب مجتمعين، وتعلم واشنطن أن العرب انفرط عقدهم، وأنهم قبائل متناحرة، ولا يمكن احتساب قدراتهم العسكرية مجتمعة ضد (إسرائيل)، ولذلك عمدت (إسرائيل) إلى شل القدرات المصرية والسيطرة عليها على أساس معادلتها التي قبلها السادات في كامب ديفيد، وهي أن مصر القوية تجمع العرب حولها لمحاربة (إسرائيل)، أما مصر الضعيفة الخاضعة للسيطرة الأمريكية فلا سلطان لها على الأمم العربية المتمردة على سلطاتها وتفر نحو عدوها (إسرائيل).
وأخيرًا إن إغفال الإدارة الأمريكية الدعوات الملحة لمراجعة ملف العلاقات الأمريكية الإسرائيلية التي تصاعدت أخيرًا، مع ظهور الدراسات الموثقة التي تصور العبء الاقتصادي والسياسي الذي تمثله (إسرائيل) دون مقابل صحيح للمصالح الأمريكية؛ يقطع بأن واشنطن تضحي بدور الدولة العظمى، وتندفع إلى الهاوية بسبب الأطماع الصهيونية التي تقضي على النفوذ الأمريكي في المنطقة.