لو نظرت إلى أحوال مدينة الخليل في الأيام الأخيرة ستجد فيها العجب العجاب، مجاهدون لا يجدون سوى الحجارة بأيديهم لمقارعة جنود الاحتلال ويرتقي منهم شهداء، وفي الحارة الثانية تجد عناصر مدججة بسلاح الزعرنة يستعدون للانقضاض على أبناء بلدهم ليأخذوا بثأر قديم لهم.
هذان المشهدان يوضحان أمًرا في غاية الأهمية، وهو أنه من يريد أن يقاوم الاحتلال لا يعجزه أنه أعزل من السلاح ولا ينتظر من سلطة حكم ذاتي سلاحًا مرخّصًا ليقاوِم، وأما من رضي لنفسه الانبطاح والعيش تحت بساطير المحتل فلن تحدِّثه نفسه بإطلاق رصاصة تجاه الجنود الإسرائيليين الذين يقتلون أبناء شعبهم ولو امتلكوا أقوى الأسلحة.
ولا تزال مدينة الخليل -حتى كتابة هذه الكلمات- تشهد أحداثًا عنيفة، فذاك يقتل وذاك يهدد وآخر يحرق محلات ومركبات، وآخرون يخرجون ملثمين يتوعدون أبناء شعبهم بالقتل بحجة الثأر، في غياب تام لأجهزة السلطة التي من المفترض أنها تحمي البلد من الفوضى، وكأن قيادتها معجبة بهذه الحالة، أما على مداخل البلدات، فلم ييئس الأحرار وفتحوا جبهات مع قوات الاحتلال متسلحين بإيمانهم وبحجارتهم، لا يضرهم من خذلهم.
في حين أوردت المصادر أن الأسلحة التي ظهرت في أيدي الملثمين وانتشرت صورهم وفيدوهاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، مسجّلةٌ بالرقم وبالنوع وباللون وبالشخص الذي يحملها كعهدة، في كشوفات لدى قوات الاحتلال وأجهزة السلطة، وأنها لا تخرج إلى الساحات إلا بإذن مسبق مشترك بين الأمن الفلسطيني وجيش الاحتلال الإسرائيلي، لذلك من ينتظر أن يخرج من هذا السلاح رصاص تجاه الاحتلال كمن يبحث عن السراب.
هذا الأمر إن دل فإنما يدل على أن قيادة السلطة الفلسطينية ومن خلفها الاحتلال معنية بتأجيج الأوضاع وتغذية الصراع بين العائلات، لتبعدهم عن نقاط المواجهة الشريفة، ولتحرف بوصلتهم عن مقاومة الاحتلال.
وكيف لا تكون معنية وقد نزعت هذه الفوضى من الناس النفَس الثوري وأنستهم نشوة انتصار المقاومة في سيف القدس، وأنستهم كذلك المطالبة بمحاكمة قتلة نزار بنات، وجعلتهم ينادون تلك القيادة بأن تتدخل لوقف فوضى السلاح والجرائم، ليعلن محافظ الخليل جبرين البكري من تل أبيب حظر التجول بعد أن انتهى من احتساء البوظة في أحد المقاهي الإسرائيلية.
لم يخجل المحافظ من نفسه حين ترك مدينته في هذه المحنة وذهب للاستجمام وأكل البوظة في الداخل المحتل مستغلًا بطاقة الـ vip التي يمنحها الاحتلال للمسؤولين في السلطة لقاء خدماتهم الأمنية في حماية المصالح الإسرائيلية من الخطر الفلسطيني، ليصدق فيه المثل القائل: إن لم تستحِ فاصنع ما تشاء.