تناقلت وسائل الإعلام الرياضية العالمية خبرين هامِّين لجميع الأحرار بالعالم، وهو انسحاب اللاعب الأولمبي السوداني/ محمد عبد الرسول، واللاعب الأولمبي الجزائري/ فتحي نور الدين لاعب الجودو، من أمام منافسيهم اللاعبين الإسرائيليين الصهاينة في بطولة أولمبياد طوكيو العالمي لعام 2020م، والمنعقد في شهرنا هذا؛ يوليو 2021م، في اليابان، (وكان التأخير لعامٍ بسبب جائحة كورونا).
هذا الخبر الرياضي العادي لدى البعض، انقسم حوله العرب والأجانب في العالم كله إلى فريقين:
الفريق الأول:
هؤلاء هم فريق الأحرار العرب والمسلمين ومن جميع أنحاء العالم الذين نظروا إلى موقف اللاعبين الأولمبيين بأنَّه موقف بطولي كبير، وواجب القيام به خاصةً وهم يشاهدون تغول وقمع العدو الصهيوني لأهلنا بفلسطين المحتلة، ويشاهدون تضامن الغرب الليبرالي المُتصهين مع الأعمال الإرهابية للدولة الإسرائيلية الصهيونية، في تهويد القُدس الشريف، وقتل أطفال ونساء قطاع غزة بالصواريخ الحارقة المُصنَّعة في قلب النظام الغربي الليبرالي، وفي تشريد مواطني الضفة الغربية من خلال توسع المُغتصبات (المستوطنات) الصهيونية فيها.
المقاومون الأحرار من العرب والمسلمين وعلى مستوى العالم، نظروا إلى واقعة الشابين الأولمبيين بأنَّ هناك جيلًا قادمًا وجديدًا من العرب الأحرار الذي يحمل روح المقاومة ضدَّ العدو الصهيوني الجاثم على أرض فلسطين مُنذ ما يزيد على سبعة عقودٍ من الزمان، وأنَّ فكرة المقاومة ما زالت جذوتها تشتعل في نفس وروح كل الأحرار الفلسطينيين والعرب والمسلمين، وطالما ما يزال المحتل الصهيوني يقتل العرب وينهب خيراتهم فستبقى الأرض ولاَّدةً ومعطاءةً بأجيالٍ جُدد من الشباب والشابات الذين سيواصلون رفع الرَّاية الفلسطينية من أجل تحرير فلسطين من النهر إلى البحر.
هؤلاء الأحرار هم بعشرات الملايين وأزيد، تراهم يستيقظون منذ الصباح الباكر وقضية فلسطين والأمة تشغل بالهم، وتُحرِّك وجدانهم، وتستثير مشاعرهم وعواطفهم وطاقاتهم نحو كل ما له قيمة أخلاقية تسكن في أعماقهم ووجدانهم، ويعدّونها قضيةً مُقدَّسةً، وواجباً إنسانياً ودينياً عظيماً، يسعون بكل الطرق والوسائل لإنجازها في أي لحظة، وهُنا مبعث الأمل والتفاؤل.
الفريق الثاني:
هم من صنف الملوك والحكام والأمراء والرؤساء والمشايخ والأحزاب، وبعض أقلام المثقفين المأجورة، الذين نسوا قضية العرب والمسلمين المركزية فلسطين، وبعضهم قد خانها خيانةً واضحةً من خلال الاعتراف والتطبيع مع الكيان الصهيوني، وإنكار حق الشعب الفلسطيني في العودة إلى أرضه وبلده والثأر لشهدائه وجرحاه، والتعويض العادل عن حقوقه المادية والمعنوية والإنسانية.
هؤلاء الخونة من الأَعْرَاب عدّوا مجرد رفض ومقاطعة الشابين الحُرين ألعاب الأولمبياد في طوكيو أمام يهود صهاينة، أنَّهم تصرفوا بطريقةٍ غير حضارية ولا عصرية، وبعض هؤلاء الخونة شتم العرب أجمعين وقال: أنتم همج ومتعجرفين، صحيح معنى المثل الشعبي المصري العربي الذي يقول (اللي اختشوا ماتوا)، هل لمجرد أن تكون حُرًا وشريفًا أيًا كنت، سواء لاعبًا أو مغنياً أو ممثلاً أو إعلامياً أو سياسياً أو تكنوقراطياً، وترفض خنوع التطبيع وإذلال الصداقة مع العدو، تكون أنت همجي وغير متحضر!
نود أن نُذكِّر هؤلاء الأَعْرَاب الخونة لقضية فلسطين، بأنَّ الإنسان الفلسطيني مُنذ أزيد من سبعين عاماً وهو طريدٌ من أرضه، وحامل عفشه على كتفيه العاريتين، وفوقهما يحمل أطفاله القُصَّر، ويحفر في الصخر من أجل إعالة الأسرة بكاملها مع تعليمها، مُوزَّعين في الوطن العربي، وفي بُلدان الشتات الفلسطيني، والعديد منهم راح ضحية السياسات لبعض حُكام البلدان العربية، ومن صمد منهم في أرضه فلسطين تعرَّض ويتعرَّض هو الآخر يومياً للطرد والتشريد وتهديم مساكنهم في القدس، وفي مدن الضفة الغربية، وفي غزة، من جرَّاء القصف الجوي بين مدةٍ وأخرى.
هؤلاء هُم الفلسطينيون الأحرار المنتشرون في العالم أجمع، فكيف بكم تنسون واجباتكم تجاههم وتخونون عقيدتكم التي وجَّهتكُم بالحفاظ على الأقصى المبارك، والقُدس الشريف، وتاريخكم العربي المجيد، وماضيكم العربي والإسلامي العظيم، ومستقبل أجيالكم التي تحتاج إلى بصرٍ وبصيرةٍ، وإلاّ تحولتم إلى أشبه بسُكَّان أمريكا الأصليين، وقد أسمتهم الماكنة الإعلامية الغربية بـ(الهنود الحمر) المشردين المنبوذين، هل تقبلون على أنفسكم هذا الإسقاط التاريخي؟!
ماذا يعني انسحاب اللاعبَين العربيين السوداني والجزائري من قيمة معنوية ودينية وأخلاقية مُضافة للمواطن العربي للقضية الفلسطينية؟
أولاً:
مثَّل موقفهما من قضية فلسطين بأنَّها ما زالت تُمثل قضيةً مركزيةً حيةً تعيش في قلب ووجدان العرب والمسلمين والأحرار على مستوى العالم، وأنَّ مُخطط صفقة القرن قد سقطت، وسقط معها المشروع الصهيوني مع أتباعهم العرب الصهاينة.
ثانياً:
كان موقفهما الرياضي أشرف وأنبل وأطهر من موقف بعض الحكام العرب والمسلمين المُطبعين الذين ركعوا خاشعين أذِلّاء أمام سيدتهم الإدارة الأمريكية المُتصهينة، ومشاريعها الرعناء تجاه فلسطين وشعبها الأبي المقاوم.
ثالثاً:
كان موقفهما يعكس موقف الشعوب العربية الرافضة للتطبيع التي لم ولن تقبل بأكذوبة (السلام) مع العدو الصهيوني المحتل لأرض فلسطين، والتي روَّج لها بعض العرب المنبطحين.
رابعاً:
كان موقفهما القادم من العاصمة الخرطوم عاصمة اللاآت الثلاث (لا للحوار، لا للجلوس على طاولة مع العدو، لا للاستسلام)، ورفضاً لقبول مشاريع القادة العسكر في الخرطوم بالتطبيع مع العدو الصهيوني، وكان رد الرياضي محمد عبد الرسول لهؤلاء الخونة المطبعين قد جاء من طوكيو البعيدة.
وكذلك جاء الرد من الجزائر عاصمة ووطن الأحرار الذي دفع شعبها الجزائري العظيم ثمناً باهظاً يقدر بالمليون والنصف المليون شهيد وشهيدة ضدَّ الاستعمار الفرنسي المتوحش القذر.
خامساً:
كان موقفهما متماهياً ومتناغماً ومنسجماً مع الانتصارات العظيمة للمقاومة العربية والإسلامية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وكان الانتصار الأخير الذي حققه الشعب الفلسطيني البطل ومقاومته الباسلة في معركة (سيف القدس 2021م).
سادساً:
موقفهما البطولي يُعبِّر بوضوح عن تلاحم قضية الأحرار العرب في كل الأقطار العربية حول فلسطين، وإنَّها قضية العصر والزمان لأمتنا العربية الباسلة، ولن تهدأ هذه الأمة ذات التاريخ المشرف إلاّ بتحرير فلسطين العزيزة من نهر الأردن شرقاً وحتى البحر المتوسط غرباً.
سابعاً:
الموقف العربي والإسلامي تجاه فلسطين وشعبها العظيم نلاحظ تداخل وتشابك المسارات والاختصاصات، ولا تستطيع أن تُفرق بين الثقافي والسياسي والعسكري، نعم إنَّها فلسطين وقدسها الطاهر وأقصاها الشريف، جميعها مُعبرة عن مدلول الكرامة وقيم الصمود للمقاومة لصد جميع المشاريع الغربية الليبرالية الصهيونية ضدَّ أمتنا من المحيط إلى الخليج.
الخلاصة:
كانت وما زالت فلسطين أرضاً وإنساناً هي الجامع الشامل لنضالات أمتنا العربية والإسلامية، ومهما قيل عن زمن انهيارات المواقف السياسية لبعض العرب والمسلمين، إلاّ إنَّها القضية الأكثر نُبلاً وطهراً، ليجتمع معها وحولها الأحرار الصادقون الصامدون في وجه المشاريع الصهيونية والغربية التي زرعت هذا الجسم المسموم (الكيان الصهيوني) في قلب الأمة بِرُمتها، لقد كانت وستظل فلسطين هي البوصلة الحقيقية لقياس صِدق المواقف العروبية والدينية والإنسانية، ما عداها فهي موضوعاتٌ عابرة لا يقاس عليها أي موقف أخلاقي وديني وعروبي وإنساني، والله أَعْلَمُ مِنَّا جَمِيعاً.