"خطفوه من جوا قلبي.. أنا اللي متت كمان مش بس محمد".. بهذه الكلمات ودع مؤيد العلامي، نجله الطفل محمد الذي ارتقى برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي على مدخل بلدة بيت أمر شمال الخليل.
حالة من الحزن خيمت على الأب العلامي، الذي يقيم في ذات البلدة، بعد استشهاد نجله البكر (محمد 11 عامًا)، والذي انتظر ولادته سبعة أعوام منذ زواجه.
ويقول الأب: كان محمد يجلس في المقعد الخلفي مع شقيقته عنان 9 أعوام، وأحمد 5 أعوام، في أثناء قيادتي السيارة، ويتحدث وعلامات الفرح ترتسم على عينيه، بعد أن جلبنا احتياجات ومستلزمات المنزل.
ويضيف: قبل أن نقترب من المنزل أخبرني محمد أني نسيت أن أذهب إلى البقالة كي أحضر له ولأشقائه بعض الحاجيات والخبز، وعند عودتنا من ذات الطريق تفاجأت بإطلاق جنود الاحتلال النار على السيارة، فأمرت أبنائي: اخفضوا رؤوسكم وضعوا أيديكم عليها وانحنوا إلى الأسفل.
سحابة الخوف
وبعد دقائق معدودة توقف إطلاق النار لتزول سحابة الخوف والقلق التي سيطرت على "العلامي" وأبنائه ليبدأ في تفقدهم، فوجد "محمد" نائمًا على حضن شقيقته الصغرى والتي ظهر عليها علامات الخوف الشديد وبدأت بمحاولة إيقاظه، لكن دون جدوى.
حديث الطفلة عنان دفع والدها للنزول من السيارة وفتح الباب الخلفي للتهدئة من روع أولاده وإيقاظ "محمد" من سباته ليصدم بوجود بقعة دم على الكرسي الخلفي لينقله بعدها على الفور إلى المستشفى الأهلي في الخليل.
وفور وصول الأب المفجوع بمصيبته إلى المستشفى تمكن الأطباء من إنعاش قلب طفله، إلا أن إصابته الحرجة في منطقة الصدر أفقدته حياته بسبب تمزق عدد من أعضائه الداخلي وفقدانه الكثير من الدماء.
وقف العلامي، أمام غرفة العمليات لساعات بانتظار سماع خبر يثلج صدره بأن نجله لا يزال على قيد الحياة، لكن ما هي إلا لحظات حتى أعلن الأطباء استشهاد نجله لإصابته الحرجة.
مشاعر الغضب تملكت الوالد الذي وقع على الأرض من هول الخبر، ليستجمع قواه لاحقًا متسائلًا: "ما الذنب الذي ارتكبه محمد؟! لماذا أطلقوا النيران باتجاهنا؟! وأين العالم مما يتعرض له أطفال فلسطين؟!".
ويؤكد العلامي لصحيفة "فلسطين" أن قوات الاحتلال ارتكبت جريمة قتل عن قصد عندما أطلقت النار على عائلته في الوقت الذي لم تشهد المنطقة أي أحداث أو مواجهات.
سنوات انتظار
ويعود الأب المكلوم بالزمن إلى الوراء ليقول: تأخرت زوجتي في الإنجاب ستة أعوام، وطوال تلك الأعوام كنا نتنقل بين الأطباء إلى أن رزقنا المولى بـ"محمد" بعد أن أنفقت كل مالي كي أراه، وبدأ يكبر يومًا بعد الآخر أمام عيني فكنت سعيدًا به فهو ابني البكر المتفوق في دراسته.
ويستدرك: لكن بغمضة عين رحل محمد ممسكًا بيده ربطة الخبز وبعض الخضراوات التي جلبناها للعائلة.
ويختتم الأب: "رحل محمد شهيدًا ليرقد إلى جوار أبناء شعبه الشهداء والأبرياء المظلومين الذين يدافعون عن أرضهم ووطنه من بطش الاحتلال الإسرائيلي".