انقلب الرئيس التونسي قيس بن سعيد على الديمقراطية، وألقى القبض على كل الصلاحيات بيد من حديد، وأغلق أبواب البرلمان أمام النواب، بعد أن حل المجلس النيابي المنتخب، وترك البلاد فريسة بين يدي المساعدات الخارجية والتدخلات الأجنبية.
هذا الشكل المألوف من الانقلابات في بلاد العرب يؤكد أن ما يجري في تونس هو انعكاس لما يجري في بقية البلاد العربية، وأن نتائجه سترتد على مستقبل الشعوب العربية، فالشعب التونسي الذي قاد الربيع العربي يقود معركة التصدي للانقلابيين، ويقف اليوم أمام الاختبار الأكبر في تاريخ المنطقة ككل، فهل سينتصر الشعب التونسي للديمقراطية، ولمستقبل أجياله، ويفشل المؤامرة؟ أو هل سينجح الانقلاب، ويتمكن من تصفية الديمقراطية في تونس، على طريق تصفية الأمل بإمكانية تغيير الأنظمة الدكتاتورية من خلال صناديق الاقتراع؟
الشعب التونسي لديه هويته الوطنية، ولديه مصالحه الإستراتيجية في مواجهة الانقلاب، ولديه أحزابه السياسية التي رفضت الانقلاب، ومن بينها حزب قلب تونس، شريك حزب النهضة في الحكم، إضافة إلى التيار الديمقراطي أشد معارضي النهضة، وهذه الأحزاب الرافضة للانقلاب هي مصدر قوة للشعب التونسي، وهي قادرة على تحريك الشارع، وفرض إرادة الجماهير على المنقلبين في تونس، على الرغم من ترتيب المنقلبين أوراقَهم جيداً، وتعاونهم فيما بينهم تعاونا وثيقا، وعلى الرغم مما لديهم من قوى أمنية لما تزل تسيطر على مفاصل الحياة، ولديهم دعم سياسي ومالي من معظم الأنظمة العربية التي رتبت الانقلاب.
نجاح الشعب التونسي في وأد الانقلاب يشجع الشعوب العربية على المحاكاة، ويبعث فيهم الأمل ليعاودوا الكرة على الأنظمة الدكتاتورية مرة أخرى، أما إذا نجح الانقلاب، واستتب لقادته الأمر في تونس، وألقى القبض في الفترة اللاحقة على قادة الأحزاب المعارضة، فذلك يعني غرق الأمة العربية كلها في بحر من الظلمات إلى أن يأذن رب العباد بالتغيير.
وما أكبر المؤامرة على الثورة التونسية! إنها بحجم التحالف العربي والدولي لمحاربة الربيع العربي، والحيلولة بين الديمقراطية والأمة العربية، ولاسيما أن نتائج الانتخابات الديمقراطية النزيهة في كل بلاد العرب قد أوصلت الإسلام السياسي إلى الحكم، وقد تم الانقلاب على نتائج صناديق الاقتراع في أكثر من بلد عربي، بما في ذلك أرض فلسطين المحتلة، التي فازت فيها حركة حماس، قبل أن يتم الانقلاب على نتائج الانتخابات، وحل المجلس التشريعي.
عدم نجاح التجربة الديمقراطية في البلاد العربية لا تتحمل مسؤوليته قوى الانقلاب فقط، وإنما تقع المسؤولية على أحزاب الإسلام السياسي، فطالما كان الإنسان العربي هو المستهدف، وطالما كان أعداء الأمة يتربصون، فكان جديراً بقادة الأحزاب السياسية الإسلامية أن تدرك الحقيقة مبكراً، وأن خطة أعدائهم تقوم على تسليمهم السلطة شكلياً لمدة سنة أو سنتين، كي يورطوهم في الفشل، وكي يباعدوا بينهم وبين الجماهير، قبل أن ينقضوا عليهم بصفتهم المنقذين للشعب من فساد الإسلام السياسي، ومن الانهيار الاقتصادي.
تجربة الانقلابات على الربيع العربي تؤكد أن الثورة لا تعني الاحتواء للنظام الدكتاتوري، الثورة اقتلاع للفساد من جذوره، وتصفية أركانه، وأمام أي ثورة احتمالان لا ثالث لهما، فإما الانتصار الكامل على الطغاة، وإما الهزيمة تحت نعال العسكر، ولا صحة لنظرية الإصلاح التي تبناها الإسلام السياسي، فالثورة قفزة في الهواء، فإن لم تكتمل أركانها بالوقوف على أرض صلبة، فنصف قفزة تظل حركة بهلوانية، تترك صاحبها معلقاً، حتى يسقط في نار المؤامرات.