سلطتنا الفلسطينية الوطنية تعيش بمعزل عن المواطنين. المواطنون رفضوا الفساد، لاسيما الفساد الذي ينتج قتلا واغتيالا. قتلت أجهزة الأمن الوطنية (!) المعارض النشط على وسائل التواصل الاجتماعي قتلا متعمدا نزار بنات؛ لإخراس صوته الذي استقطب مؤيدين. وبعد بنات اغتال مجهولون عكرمة مهنا، الذي عمل في القضاء العسكري، ويعمل الآن في المالية العسكرية، وخلفية الاغتيال كما تقول بعض المصادر مرتبطة بقضية اغتيال نزار بنات!
هذه الاغتيالات كانت سببا مباشرا لخروج المواطنين بمظاهرات ضخمة في رام الله والخليل تطالب بالقصاص ممن قتلوا بنات، وتطالب بحرية الرأي واحترام حقوق المواطنين، بل وتطالب برحيل الرئيس. المطالب الشعبية تراكمت وضغطت على السلطة التي قدمت ما يشبه الاعتذار، ووعدت بالتحقيق والمحاسبة، ولكن لجنة التحقيق لم تلتزم الأصولَ بضغوط أمنية، الأمر الذي جعل عائلة بنات ترفض النتائج، وحذرت من تهريب المتهمين بإرسالهم للسفارات الفلسطينية في الخارج!
وفي حين لم يخرج المواطنون من أزمة اغتيال بنات، ثم اغتيال عكرمة، فإن المصادر الحقوقية شجبت الاعتقالات السياسية التي طالت ما يقارب مئة معتقل سياسي وصاحب رأي ومعارض، الأمر الذي جعلنا نقول إن السلطة التي تزعم الوطنية هي بمعزل عن المواطنين، حتى إن جهات حقوقية غربية انتقدت موقف قيادة السلطة فقالت إنها ليست جادة في تحقيقاتها!
السلطة التي توشك أن تكون عارية من القبول الوطني، وهي تذهب بعيدا عنه نحو العودة للمفاوضات دون أفق سياسي مقابل أن تساعدها أميركا (وإسرائيل) في أزمتها المالية. وأحسب أن السلطة التي عاشت على البذخ والفساد المالي لن تستمع لصوت المواطنين أو لصوت الفصائل التي تنصحها بعدم العودة للمفاوضات، ما دام الأفق السياسي مغلقا، وما دام بينيت وحزبه يتمسكان بمواصلة الاستيطان، ويزعمان أن لليهود حقا في إقامة شعائر تعبدية في ساحة المسجد الأقصى.
إذا كانت السلطة قد تعرت تفاوضيا، وتعرت وطنيا بالتستر على الاغتيالات، ثم تعرت بالاعتقالات السياسية، فإن النصيحة الواجبة لها هي مراجعة موقفها في الملفات الثلاثة قبل أن يصبح مطلب رحيلها هو الحل الوحيد.