كثيرة هي الابتلاءات التي يمكن أن تصيب المرأة في حياتها، ومن أصعبها أن تفقد أباً، أخاً، أماً أو زوجاً لتصبح بين ليلة وضحاها كمن ودع جزءاً من روحه.. هذا ما عاشته هالة الصفدي باستشهاد والدها ثم والدتها بعد صراع مع مرض السرطان في 2007، ليلحق بهم أخوها في عدوان 2008-2009، ثم زوجها في عدوان 2012.
رغم كل هذه الظروف توجت هالة اليوم الأولى على طلبة الماجستير في التفسير وعلوم القرءان في الجامعة الإسلامية وذلك بعد أن حصلت على معدل 97%، متحديةً كل الظروف التي مرت بها وحققت حلمها وأثبتت أن المرأة قادرة على تحقيق أي شيء ما دامت وضعته نصب عينيها.
تقول لصحيفة فلسطين:" "عند تخرجي في حفل الجامعة طُلب مني أن أقدم كلمة أمام الحضور، ولم أجد كلمة ورسالة أوجهها للحاضرين أفضل من رسالة للسيدات وخاصة زوجات الشهداء".
تصف هالة الأمر بأنه "ليس بالسهل" ولكن إذا وضعت زوجة الشهيد حلم أمامها وسعت إلى تحقيقه فإن كل العقبات والمصاعب ستنهار تحت أقدامها بسبب قوتها وإصرارها على تحقيق حلمها مهما كانت الصعوبات التي تمر بها".
ابتلاءات لم تكد تصحو من أحدها حتى تقع الأخرى، "لأجد نفسي وحيدة ومحرومة من أقرب الناس لي، ومسؤولة لوحدي عن ثلاث أطفال صغار وآخر في أحشائي لم يكن وُلد بعد، لأعيش حياة كانت في بدايتها مليئة بالخوف مما هو قادم وقلق على مصير أبناء لا يزالون صغار".
وتتابع:" في البداية لم أكن أعرف ماذا أفعل ولكن وضعت هدفاً أمام عيني وهو أن أربي أبنائي وأعوضهم عن استشهاد والدهم"، لافتة إلى أنها رغم اهتمامها بأولادها إلا أنها لم ترد أن تهمل نفسها ويضيع عمرها دون تحقيق أي انجاز.
وتوضح هالة أنها بعد عدة سنوات وجدت نفسها على مفترق طرق هل تبقى على تربية أطفالها تحتاج المساعدات، أم تكمل دراستها وتعمل بشهادتها، لافتةً أنه لولا معية الله ورعايته التي كانت على قدر الوجع ما كانت قد حققت ما وصلت إليه.
وتبين أنها قررت الالتحاق بالدراسات العليا في الجامعة عام 2017 وذلك بعد خمس سنوات على استشهاد زوجها، وهو قرار وجدت أنه جاء في الوقت المناسب بعدما كبر أبنائها وأصبحوا يستطيعون الاعتماد على أنفسهم.
وتذكر هالة أن أكبر دافع جعلها تتوجه إلى الدراسة هو الفراغ الذي بدأت تشعر به بعدما كبر أبنائها، مبينة أنها رفضت أن تكون فريسة للفراغ والأفكار الهدامة والطاقة السلبية التي يمكن أن تحيط بها وبأسرتها.
تقول: " كان لا بد أن أملأ وقتي بشيء مفيد لذلك وجدت في استكمال الدراسة أمر جيد، وبما أني كنت قد درست بكالوريوس أصول الدين فأردت أن أكمل ماجستير تفسير وعلوم القرءان"، منبهةً إلى أن الخروج من المنزل وترك الأطفال لوحدهم كان صعباً على الجميع ولكن تجاوزت هذا الأمر بالتخطيط الجيد.
وتوضح هالة أنها تحب الدراسة لذلك وجدت في إكمالها للماجستير فرصة لتحقيق ذاتها وإكمال دراسة ما تحب، وقد وضعت أولويات لتنظيم الوقت وتنشئة أبنائها على الاعتماد على أنفسهم وتحمل المسئولية والمشاركة في كل أعباء المنزل.
وتشير إلى أنها بالتوجه للدراسة أرادت اثبات أنها قادرة كزوجة شهيد على إكمال حياتها وتحقيق حلمها بالدراسة والتفوق فيها أيضاً، إلى جانب القيام بدورها على أكمل وجه فيما يتعلق حياة أطفالها واحتياجاتهم.
وتعبر عن سعادتها وفرحتها ليس بحصولها على الامتياز في الماجستير فقط بل لأن أولادها عاشوا نجاحها وتفوقه، لتكون فرحتهم وفخرهم بها كبيرة، لافتةً إلى أنها عند إلقاء الكلمة في حفل تخرجها رأت شريط ثمانية أعوام من حياتها يمر أمامها.
هالة تكمل حديثها بأن كل انجاز حققته في مسيرتها كلها يعود فضله لله تعالى الذي أعانها على القيام بمهمتها في تربية أبنائها وتحقيق ذاتها والتغلب على كل المعاناة التي واجهتها.