تعافيت من جائحة كورونا بعد أسبوعين من العذاب، وبدأت أتناول القليل من الطعام، فإذا بمذاق الأشياء يختلف عن المعهود، فحين أمسكت حبة التفاح، وتذوقت منها قطعة، قلت لأحد أبنائي: من أين اشتريت هذا التفاح الرائع؟ أنا لم أذق في حياتي أطيب من هذا. وحين قدموا لي شريحة من حبة البندورة، استغربت مذاقها، ولم أصدق أن هذه بندورة، وقلت: من أين لغزة كل هذا الإبداع في إنتاج البندورة المميزة؟ وهذا ما حدث حين تذوقت الخيار والموز واللبن والبيض والخبز، فإذا بالأشياء تكتسب مذاقًا لم يكُن مألوفًا من قبل، مذاق لذيذ لا يوصف، حتى أن حبات الزيتون كانت تشبه حبات اللؤلؤ من لذة مذاقها، فاتصلت هاتفيًّا بابنتي أشيد بإبداعها في تخليل الزيتون، وأطلب منها المزيد من هذا الطعم الفاخر، فأنا لم أذق في حياتي أطيب من هذا الزيتون، ورحت أسألها عن كيفية تخليل الزيتون، وراحت تشرح لي الطريقة بزهو شديد، وكأن الزيتون قد تغمس بالطيب والرياحين.
في ذلك الوقت لم ألتفت للتحول الذي جرى لذائقتي، ونسيت الأمر، إلى أن تعافى أحد أبناء العم من فيروس كورونا، وراح يصف لي تغيير المذاق، وكيف كان يستطيب طعم البندورة، وكيف كان طعم الخبز أطيب من البسكويت، وكيف كانت أطعمة المستشفى مميزة المذاق، حتى أنه كان يظن أن اللبن الزبادي قد خلط بالعسل، مذاق لم يعهده من قبل.
حديث ابن عمي المعافى حديثًا من فيروس كورونا لفت انتباهي، وأيقظ ذاكرتي، وأعادني إلى الحالة نفسها التي عايشتها قبل عدة أشهر، ورحت أقارن وصفه للطعام اللذيذ بعد الشفاء من فيروس كورونا بحالتي بعد الشفاء، إنها التجربة نفسها، والنتيجة نفسها، لقد تغير المذاق لدينا بفعل فيروس كورونا، وتغيير المذاق هذا كان نتيجة خلل أحدثه الفيروس، فبدت الأطعمة لنا أكثر روعة، وأكثر طيبة، ولها نكهة لم نعهدها من قبل!
فإذا كان خلل بسيط بالمذاق جعل الأشياء تتخلى عن طبيعتها، وتبدو أحلى، وتحمل صفات لم تكُن معروفة لنا من قبل، فكيف لو شاء ربك يوم القيامة أن يعدل برمجة التذوق، أو أن يدخل تعديلًا على مقياس الأحاسيس، وأن يبرمج تركيبة حاسة الشم بشكل مختلف، وأن يعدل زاوية الرؤية للعين؟ وكيف لو عدل ربك برمجة الأذن التي ألفت أن تلتقط ذبذبات صوتية محددة؟ فهل ستكون الأشياء المألوفة على سطح الأرض، هي ذاتها يوم القيامة؟
لقد كشف لنا اختلال المذاق المحدود على سطح الأرض عن جزء بسيط من حياة الآخرة، أو من الجنة التي بها توعدون، والتي أشغل أمرها بال الكثيرين من الدعاة والعلماء والمفسرين والصالحين، فإذا به مختصر بحديث الرسول عليه السلام، بقوله تعالى: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر".
وكل عام وشعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية والإسلامية على خط المواجهة الأول لنصرة الدين، وتحرير فلسطين.