لعلنا نذكر ما حصل في الأيام الأخيرة من تعرض مبنى يستخدمه عملاء الموساد في ضواحي مدينة أربيل بمحافظة كردستان شمال العراق لهجوم صاروخي، ما يكشف أن الإيرانيين مقتنعون بعودة (إسرائيل) للعمل من كثب مع الأكراد، وتقوم بعمليات استخباراتية وهجومية في هذه المنطقة.
تتركز الاعتبارات الإسرائيلية بدعم الطبقة الحاكمة من الأكراد في مجموعة من العوامل التاريخية والاستراتيجية، ومعظمها حساس للغاية تمنع الرقابة الإسرائيلية نشرها، ويكفي تذكر العلاقات السرية التي ربطتهما في العراق بين 1975-1965، ولذلك فهي طويلة وعميقة واستراتيجية، وأقوى من علاقات الأكراد بالولايات المتحدة والدول الأوروبية.
الوجود الإسرائيلي في كردستان ليس جديدًا، بل يأتي كجزء من استراتيجيتها الجيوسياسية في الشرق الأوسط لإقامة تحالفات مع غير العرب، وانخرط الأكراد في حرب غير متكافئة ضد القوات العراقية، واستفادوا من المساعدات الإسرائيلية، وزودتهم (إسرائيل) بقنوات نحو الغرب وواشنطن.
بالعودة عقودًا طويلة إلى الوراء، وفي مسعى إسرائيلي للخروج من العزلة الجهوية، وفقًا لنظرية ديفيد بن غوريون المسماة "شد الأطراف"، فقد تعددت أهدافها بين عقد وآخر، حتى وصل اليوم إلى حد تحميل ونقل النفط الكردي عن طريق ناقلات لدول مختلفة، كجزء من النسيج المعقد للتحالفات غير الرسمية في المنطقة.
ليس سرًّا أن (إسرائيل) تدعم الأكراد المسيطرين على المنطقة الكردية شمال العراق، وتساعد الحكومة المحلية من أجل إقامة دولة كردية، وعندما تجاهلت دول العالم الأكراد، ومساعيهم لإقامة دولة، كانت (إسرائيل) الدولة الوحيدة التي دعمتهم، وضغط رئيس الوزراء آنذاك نتنياهو على زعماء العالم لهذا الغرض.
وعقب هجوم تنظيم الدولة في شمال العراق في سبتمبر 2014، أعلنت (إسرائيل)، بصورة غير رسمية بالتعاون مع اللجنة اليهودية الأمريكية، تقديم مساعدة فورية للمسيحيين واليزيديين في كردستان العراق، ما يجعل الحفاظ على العلاقات القوية مع الأكراد أمرًا مهمًّا، ورصيدًا لـ(إسرائيل)، يعزز قوتها في المنطقة، كما أن العلاقة الكردية مع (إسرائيل) توفر لها عيونًا وآذانًا في إيران والعراق وسوريا.
مع العلم أنه في وقت ما، استوردت (إسرائيل) ما يصل ثلاثة أرباع النفط من كردستان العراق، ووفرت مصدرًا مهمًّا للأموال للمنطقة في أثناء قتال عناصر تنظيم الدولة، واستثمرت الشركات الإسرائيلية في مشاريع في مجالات الطاقة والتنمية والاتصالات في كردستان العراق، إضافة لتوفير التدريب الأمني.
وقد نشط جيش الاحتلال الإسرائيلي ووحدات استخباراته في المناطق الكردية في العراق وإيران وسوريا، وقدمت الدعم والتدريب للوحدات الكردية، ونفذت عمليات سرية على الحدود الإيرانية، ودعم هذا التوجه الرئيس الأسبق شمعون بيريز وبنيامين نتنياهو، ما حدا بكبار المسؤولين العراقيين للإعلان أنهم "لن يسمحوا بإقامة (إسرائيل) الثانية في العراق".