إذا كانت السلطة قد وُلدت من رحم أوسلو، وإذا كانت هي في الإنشاء صناعة إسرائيلية أميركية بمحددات أوسلو، فإن هذا الإطار المسمى السلطة الفلسطينية الوطنية يوشك على الانهيار بعد أكثر من ربع قرن من إقامته. السلطة إطار حكم لم يتمكن من تطوير نفسه إلى دولة، لأن كتالوج الصناعة شخصه ابتداء على سلطة حكم ذاتي، لا حكومة ودولة. أي إن مشكلة السلطة هي في منطقة التصميم وكتالوج الصناعة، وما لم يتغير التصميم، ويُعدَّل الكتالوج فلا دولة ولا حكومة دولة
إذا كانت السلطة قد وُلدت من رحم مريض، وهي تحمل فيروس المرض في أحشائها منذ أول يوم لولادتها، فهي اليوم وبعد أكثر من ربع قرن أشد مرضًا وأشد ضعفًا، لا سيما بعد تراجع العدو عن رحم أسلو، الذي انقبض انقباضًا لا يقبل العودة إلى حالة البسط والمرونة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن السلطة تعاني مشاكل ذاتية كبيرة وخطِرة، ومنها أولًا: مشكلة العجز المالي الذي يهددها بوقف صرف رواتب الموظفين. ثانيًا: الفساد السياسي والإداري والمالي والأمني، وهي أمراض فتكت بشرعية السلطة، وجعلتها قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، حتى وصفها (هادي عمرو) المبعوث الأميركي بأنها غابة يابسة تنتظر من يشعل عود ثقاب حتى تشتعل وتنهار، وقد قال هذا لقادة العدو، طالبًا منهم مساعدة السلطة على البقاء.
لم تحمل السلطة ورقة الشرعية الفلسطينية يوم ولدت من رحم اسلو لأن جل الشعب الفلسطيني وفصائله رفضت المولود المشوّه، وعندما اضطر الشعب على الصمت وعلى التعاون مع السلطة، فإن السلطة فشلت بعد أكثر من ربع قرن من تطوير ذاتها، وفشلت من تحقيق الدولة، والسيادة، ومن الاعتماد على ذاتها ماليًّا، وفشلت على المستوى الأمني وطنيًّا لأنها قبلت أن تعمل وكيلًا أمنيًّا للمحتل. ثم فشلت في حماية حقوق المواطن في التعبير والمعارضة، فقتلت نزار بنات وغيره، الأمر الذي أخرج الشعب إلى الساحات والشوارع يطالب برحيل عباس.
الفاشلون في الوطن العربي لا يرحلون عادة وإن طالت أزمانهم إلا بالموت. والموت قدر لا سياسة، وعلى الفلسطيني انتظار ضربة القدر. ومن يؤمنون بالقدر يتمردون على الواقع لا على القدر، لأنهم يعلمون أن الواقع يدعم الفاشلين، فأميركا ممثلة بهادي عمرو تطلب من (اسرائيل) دعم السلطة، وقائد السلطة الفاشلة يحاول تمزيق انتفاضة طلب الرحيل باستبدال حكومة زياد عمرو بحكومة محمد اشتية، لوقاية السلطة من تداعيات انتفاضة: ارحل عباس؟! عدد حكومات السلطة تسع عشرة حكومة، والمشكلة الوطنية كما يقول أهل العلم ليست في الحكومات وقادة الحكومات، المشكلة الوطنية في قائد السلطة، وفي فساد الأطراف المكونة للسلطة، وعلى رأسها أجهزة الأمن، فضلًا عن المشكلة المجذرة في الرؤية السياسية؟!