فلسطين أون لاين

في اختصاص اللغة العربية

مهند.. ذو إعاقة بصرية ينير طريقه بمرتبة "الأول" على دفعته الجامعية

...
غزة- هدى الدلو:

لم يلتفت إلى التحديات التي شكَّلت له سيفًا من سيوف الأمل والإرادة ليشهره بوجه المثبطين من حوله، بعد الظرف الطبي الذي تسبب له فيما بعد بإعاقة بصرية كلية، ليتجاوزه بإصرار ويكمل طريقه صامًا آذانه عن كلام الإحباط واليأس، ويحقق هدفًا في مرمى النجاح والتفوق بتخرجه من الجامعة الإسلامية وحصوله على المركز الأول في كلية الآداب.

مهند السعدوني (23 عامًا) من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، حاز قبل أيام قليلة شهادة البكالوريوس في الآداب والتربية في اللغة العربية بمعدل 90.5%.

قدومه إلى الدنيا جعل الفرح يقتحم قلبي والديه دون استئذان، فهو بكرهما وأول من أنار حياتهما، ويراقبا حياته وحركاته، حتى توقف بهما الزمن في عمر الثالثة عندما أصيب بالتهاب شديد في عينه اليسرى ظهر فيها انتفاخ وورم، وتسببت بضغط على العين اليمنى، وفي إثره شخصه أطباء بضرورة استئصال العين، ليقع والديه تحت تأثير الحزن والصدمة، وينتقل أثر الالتهاب إلى عينه اليمنى، فأصبح لا يرى فيها أي بصيص للنور.

يقول السعدوني لصحيفة "فلسطين": "ابتليت في الإعاقة البصرية بعمر صغير، فأظلمت الحياة في وجهي واعتقدت حينها أنها نهاية الدنيا، لكون الإعاقة وضعت أمامي عددًا من التحديات، خاصة أني كنت طفلًا صغيرًا يريد ممارسة حقوقه والتمتع بطفولته".

ويضيف: "تمثل أمامي أكبر معيق بالظروف المجتمعية والمثبطين، وعدم تقبلهم الإعاقة التي لا دخل للإنسان فيها، فكبرت وكَبُرت معي إعاقتي وكثرت التحديات أمامي، ولكن بوقوف ومساندة والدي تعززت ثقتي بنفسي، وقوي إيماني بقدراتي فنهضت متمسكا بإعاقتي محولًا إياها إلى سيف من الأمل والإرادة اقطع به الطريق على التحديات".

ألحقه والده في المدارس الخاصة بفئة المكفوفين ليتعلم ويبني مستقبله، فتأقلم فيها وأوجد حياته مع أشخاص من مثل وجعه، فأنجز مرحلة الابتدائية وألحقها بالإعدادية والثانوية محققًا تفوقًا بجدارة، حتى جاء اليوم الذي ينتقل فيه لمرحلة الثانوية العامة، والدمج في مدارس لأشخاص من غير ذوي الإعاقة.

يتابع السعدوني: "هنا اقتحم الخوف قلبي لكوني سأنتقل من مجتمع لآخر، مختلف كليًّا عما عهدته في السنوات الدراسية الماضية التي كان فيها جميع الطلبة يعيشون وجع الجرح نفسه"، وتساؤلات لم تكف أذاها عنه، فيراوده سؤال تلو الآخر، هل سيتقبلون شخصيتي أم العكس؟

ولكن تفوقه واجتهاده مكّنه من فرض شخصيته بجدارة رغم الإعاقة، فكان الأول على مدرسته، لا يترك شاردة ولا ورادة يتحدث بها معلمه في الصف إلا ويسجلها بطريقة بريل، حتى تنبأ له بعض معلميه بأن يكون من أوائل فلسطين.

وحصل على المرتبة الثالثة على محافظة خان يونس، والـ12 على مستوى قطاع غزة في الفرع الشرعي بمعدل 97%، ليلتحق بالجامعة الإسلامية كلية الآداب ويحقق حلم الطفولة بدراسة اللغة العربية التي يصفها بأعظم وأعمق لغة.

يتابع السعدوني: "حلمت أن أدرس هذا التخصص وأصبح كعميد الأدب العربي طه حسين، خاصة أنه كفيف، إلى جانب أستاذي في الثانوية العامة نهاد بربخ كان له فضل في تعميق حبي لتلك اللغة، فكان لي يوكل مهمة شرح بعض الدروس، والبحث عن بعض النقاط، ومهّد لي الطريق لاختيار التخصص".

ويشير إلى أن العديد من الصعوبات واجهته خلال المرحلة الجامعية، في عدم توفر بعض الكتب مطبوعة بطريقة بريل، فاضطر إلى تسجيلها بعد استئذان المحاضر، وإعادة كتابتها بطريقته، ما يستغرق وقتًا.

"لم تضعف عزيمتي وارادتي رغم التحديات التي واجهتني، وأنجزت شهادتي الآداب والتربية في أربع سنوات ونصف، وحصلت على مرتبة الأول على الدفعة في قسم اللغة العربية بتقدير امتياز 90.5%، لأقف على منصة التخرج والفرحة لم تسع قلبي".

فقد البصر لكنه لم يفقد البصيرة، هذا هو حال السعدوني الذي يطمح لمواصلة قطار حياته وألا يقف عند هذه المحطة، فهو يسعى إلى إكمال الماجستير والدكتوراه والحصول على درجة "بروفيسور".