مواسم الخير أقبلت، ونفحات الرحمن أهلت، هذه أيام الله وخير أيام الدنيا، يتنافس فيها الصالحون لإرضاء رب الأرض والسموات، ويتقربون إلى الله بالطاعات، ومن هذه الطاعات تعيين الأضاحي واختيارها بما يتوافق مع الهدي النبوي.
والأضحية هي اسم لما يُذبَح من بهيمة الأنعام يومَ النَّحْر وأيام التشريق؛ تقربًا إلى الله تعالى.
العضو الاستشاري في رابطة علماء فلسطين الداعية أحمد زمارة، يقول: "كل عمل لا يوافق هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم فهو رد، غير مقبول".
ويوضح زمارة لصحيفة فلسطين أن من السنن المستحبة لمن أراد أن يضحي أن يمسك عن الأخذ من شعره سواء كان شعر الرأس، أو اللحية والشارب، وعموم شعر الجسم وأظفاره، إذا هل هلال ذي الحجة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئًا".
ويشير إلى أن الحكمة من الأضحية أنها عبادةُ فيها إحياء لذكرى إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، وفيها تعظيمٌ لله تعالى بتقديم الذبيحة تقربا إليه بعدما كانت في الجاهلية تقرَّبًا للأصنام في مثل هذه الأيام في الحجِّ، وفيها توسعةٌ على المسلمين يوم العيد وبعدَه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن هذه الأيامَ أيامُ أكلٍ وشرب وذكر الله عز وجل".
ومن سنن الأضحية، ينبه زمارة إلى أن تكون من بهيمة الأنعام وهي الإبل، والبقر، والغنم، والمعز والضأن، لقوله تعالى: "لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ"، (الحج: 34).
ويبين ضرورة أن تُذبح في الوقت المحدد شرعًا؛ وهو بعد صلاة العيد يوم النحر إلى غروب شمس يوم الثالث عشر من ذي الحجة؛ لحديث: "إن أولَ ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلِّي، ثم نرجع فننحر، مَن فعله فقد أصاب سنتَنا، ومن ذبح قبل، فإنما هو لحمٌ قدَّمه لأهله، ليس من النُّسُك في شيء"، فقام أبو بردة بن نِيَار وقد ذبح، فقال: إن عندي جَذَعة؟ فقال: "اذبحْها، ولن تجزئ عن أحد بعدك".
ويضيف زمارة: "يجب أن تكون الأضحية خاليةً من العيوب، لأنها قُربة إلى الله، والله تعالى طيِّب لا يقبل إلا طيِّبًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربعٌ لا يجزينَ في الأضاحي: العوراءُ البيِّن عورُها، والمريضة البيِّن مرضُها، والعرجاء البيِّن ضلعُها، والعجفاءُ التي لا تنقي".
وفي توضيح للحديث فإن العوراء هي التي انخسَفَتْ عينها أو برزت، ولكن إن كان عورُها غيرَ بيِّن أجزئت، ووجه عدم إجزائها: أن عيبَها ينقص من لحمها، فتهزل لو بقيَتْ، والمريضة: لأن المرض يفسد لحمَها، والعرجاء: لأن السليمةَ تسبقها إلى المرعى الطيِّب، فلا تحصل على كفايتها فتهزل، والعجفاء هي: الهزيلةُ، وعجفها يفسد لحمَها، (ولا تنقي) أي لا مخَّ لها لضعفها وهزالها، ومن المرض الجربُ؛ فهو إن أصابها أفسد لحمَها.
ويلفت إلى أن من السنن أن يضع المضحي أضحيته على جنبها الأيسر (للماعز والغنم) ويستقبل بها القبلة، ويذكر اسم الله عليها عند ذبحها، وفي الحديث عن شدَّاد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب الإحسانَ على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسِنوا القِتْلة، وإذا ذبحتم فأحسِنوا الذِّبحةَ، ولْيُحدَّ أحدكم شفرتَه، ولْيُرِحْ ذبيحتَه".
ومن آداب الأضحية، يتابع زمارة: "أن يأكل منها صاحبها، ففي يوم الأضحى يخرج الناس إلى مصلى العيد دون أن يتناولوا شيئًا من الطعام أو الشراب خلاف عيد الفطر، وعندما يعودون لبيوتهم يذبحون الأضاحي، ويأكلون منها، وله أن يهدي من لحمها لأرحامه وأقاربه وجيرانه وأحبابه لتحقيق التكافل والصلة والتراحم".
سن الأضحية
من جانبه يوضح د. ماهر السوسي أستاذ الفقه المقارن المشارك في كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية أن الأضحية هي سنة مؤكدة، مبينا الشروط التي يجب أن تتوفر فيها، حيث كل نوع منها يجب أن تبلغ سنًا معينة، فمن أراد الأضحية بالضأن من الغنم فيجب أن تبلغ سنها ستة أشهر، أما الماعز سنة واحدة، في حين أن البقر والعجول يشترط أن تبلغ سنتين، والإبل 5 سنوات.
ويشير في حديث مع صحيفة فلسطين إلى أن العجول من أكثر الأضاحي التي يلجأ الناس إليها، ومن الإشكالات التي تواجه البعض، قضية العجول المسمنة التي تطرح في كل موسم، وهي عجول لا تبلغ سنتين من عمرها، ويتساءل البعض عن جواز الأضحية بها لعدم وجودها في الأسواق، وأنها إذا وصلت لذلك العمر يبدأ وزنها بالتناقص وتقل جودة اللحم.
ويبين السوسي أنه في الغالب لا يوجد عجول غير مسمنة، أو ترعى في المراعي الطبيعية، لذلك يجوز للمضحي إذا لم يحصل على عجل يبلغ سنتين، أن يضحي بعجل مسمن على أن يتجاوز عمره السنة.
ويقول: "يجب على المضحي أن يتأكد من جودة اللحم وسلامة الأضحية وتكون خالية من العيوب التي تنقص من اللحم، لكونها هديّة تُهدى إلى الله، ولا بد أن نتقرب إلى الله بكل ما هو طيب".
ويلفت السوسي إلى أن البعض يشتري أضحيته دينًا، مستدركا: "الأصل في الأضحية أنها سُنة مؤكدة للقادر عليها، ومالك ثمنها، أما شراؤها دينًا فتجوز في حال كان يستطيع أن يوفر ثمنها دون أن يقتطع من حاجة أهله، وكذلك بالتقسيط يجوز في حال أمن على نفسه الوفاء بالأقساط".
ويكمل: البعض يضحي عن ميت له، وهو غير جائز شرعًا كونه لم يرِد عن الرسول عليه الصلاة والسلام ولا أصحابه.