لا غرابة لو أخبرك مهندسٌ ماهرٌ بأن بنايةً ما، آيلة للسقوط، وأخبرك بموعدٍ تقريبيٍّ للسقوط، ولا غرابة لو أخبرك طبيبٌ ماهرٌ بأنَ حالة فلان حرجة جدًا، وأنه لم يعد بالإمكان أفضل مما كان.
ما قاله المهندس والطبيب ليس رجمًا بالغيب، بل بناءً على معطياتٍ هندسية وطبية، فالمهندسُ نظر لطريقة بناء البيت ومكوناته وعمره، والطبيب أخذ بالاعتبار سن المريض وقوة مناعته ومدى تفشى المرض فيه، فوجدا عوامل الزوال تفرض نفسها، ثم قالا رأيهما.
وبالعودة إلى «ماذا قبل زوال إسرائيل؟»، فالمؤكد أن الطبيب أو المهندس لا يبديان رأيهما وحدهما في مسألة من صميم اختصاصهما، بل لكل صاحب مهنة قدرة على التنبؤ بما قد يحصل، وبما أن الحديث يدور هنا حول «زوال إسرائيل»، فالمختص في التاريخ البشري، يعلمُ أكثر من غيره كيف تقوم الأُمم والحضارات وتنهار.
والمتأمل في طريقة ولادة دولة الاحتلال يجد أنها جاءت بطريقة غير شرعية وباطلة، وكما نعلم ما بُنى على باطل فهو باطل، وسيزول ذات يوم، لأنها مارست الظلم بكل أنواعه ضد البشر والشجر والحجر، ولنا أن نستدعي ما قاله ابن خلدون، ومقولته الشهيرة «الظلم مؤذن بخراب العمران»، لكن ما الظروف السابقة لزوال (إسرائيل)؟.
تحدث الله – عز وجل – في القرآن الكريم باستفاضة عما يسبق زوال الاحتلال حيث قال: «وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب»، ونحسبُ أن قول الله عز وجل يتحقق في هذه المرحلة التي نعيش، فلم يمر على دولة الاحتلال أيام أسوأ من الآن، فالمقاومة الفلسطينية أخزتهم، وأسقطت هيبتهم المزعومة.
للإمام محمد الغزالي رحمه الله قولٌ معتبرٌ: «إن زوال (إسرائيل) قد يسبقه زوال أنظمة عربية عاشت تضحك على شعوبها، ودمار مجتمعات عربية فرضت على نفسها الوهم والوهن، قبل أن يستذلها العم أو الخال، وقبل أن ينال من شرفها غريب، إنه لا شيء ينال من مناعة البلاد، وينتقص من قدرتها على المقاومة الرائعة، مثل فساد النفوس والأوضاع، وضياع مظاهر العدالة، واختلال موازين الاقتصاد، وانقسام الشعب إلى طوائف، أكثرها مُضيع منهوك، وأقلها يمرح في نعيم الملوك».
قول الغزالي من الأقوال الغوالي، واضح مثل وضوح الشمس، فلو تأملنا الاهتمام العربي الرسمي بوقف إطلاق النار في جولات مواجهة المقاومة الفلسطينية مع الاحتلال، سنلحظ أن الأنظمة تسعى للتهدئة وهي مدركة بأن أي خطر ينال من (إسرائيل) ستكون هي في مهب الريح، فهي و(إسرائيل) بينهما علاقة مصالح مشتركة بنسب مختلفة وتختلف نسبة السرية والعلنية، ويؤكد ذلك تآمرها على وأد ثورات الربيع العربي في مهدها، وحرفها عن بوصلتها حتى لا تسحب منها العروش وتذهب بهم عبر النعوش من القصور إلى القبور.
وما يسبق زوال (إسرائيل) نفور دولي وخاصةً على المستوى الشعبي والحقوقي والذي سيضغط بدوره على صناع القرار لتغيير طريقة التعامل مع (إسرائيل).
هجرة صهيونية جماعية خارجية وعودة اليهود لمواطنهم الأصلية وازدياد مساحة الفوارق الطبقية بين مكونات المجتمع الصهيوني وزيادة الفساد في مكونات الدولة، بدليل أن نتنياهو ملاحق قضائيًّا بتهم فساد كثيرة وسبقه إلى السجن أولمرت.
ازدياد شعبية المقاومة في الوطن العربي لما لمسوه فيها من قدرتها على إعادة الهيبة للشخصية العربية الغيورة على مقدساتها.
أختم بما أراه إجابة لمن سيسأل هل ستزول (إسرائيل)؟
لقد سمعت محمد حسنين هيكل، وهو الخبير في السياسة يقول: إنه من الممكن أن تستيقظ ذات يوم ولا تجد (إسرائيل) على أرض الواقع، بينما يصعب تخيل ذلك مع إيران، لأن (إسرائيل) دولة مصنوعة ووليدة ظروف معينة تنتهي بانتهاء ظروف وجودها، بينما إيران لها جذور تاريخية وتملك مقومات الاستمرار والبقاء.
رأي هيكل ليس حجةً قاطعةً وحدها، هو جزءٌ من عوامل كثيرة تساعد على زوال (إسرائيل)، فعلينا زيادة الإيمان بأن «زوال (إسرائيل) حتمية قرآنية»، فاعتبروا يا أولى الألباب.