تراجعت أعداد الإصابات بفيروس كورونا في قطاع غزة في إثر بذل وزارتي الصحة والداخلية جهدًا كبيرًا في مكافحة الجائحة، وتماثل الآلاف من المصابين للشفاء، حتى عادت الحياة الطبيعية للقطاع.
وفي أثناء معركة مكافحة الجائحة، تسلحت الطواقم بالإرادة والعزيمة لمواجهة الوباء، وطاردته حتى أصيب بعض أفرادها، ومع ذلك استمروا على رأس أعمالهم عن بعد، فلم يرفعوا الراية البيضاء، ولم يدخروا جهدًا في خدمة أبناء شعبهم.
لكل من أفراد تلك الطواقم قصة وتجربة ومواقف ودور أسهم في مكافحة الوباء.. الطبيب محمود الشيخ استشاري الباطنة في مستشفى غزة الأوروبي ورئيس أقسام "كورونا" بالمستشفى، يعيد رسم خريطة المواجهة من البداية: "كلفت بإعداد وتجهيز المستشفى ليُوائم مصابي كورونا من ناحية الكوادر البشرية والتدريب، وعملنا من مارس/ آذار 2020 بكل قوة، حتى تمكن الفيروس من الانتشار في المجتمع".
يضيف الشيخ لصحيفة "فلسطين": "اعتمدنا في البداية على سياسة الحجر، وكانت تمكث الطواقم مع المصابين، وطُوِّر العمل مع ارتفاع أعداد الإصابات في الموجة الأولى من الجائحة، وأصبح العمل مضنيًا يتطلب العطاء على مدار الساعة، وبتنا نواجه مشكلات طبية وإدارية وتجهيزات أخرى، وكان الضغط الأساسي على المرضى في غرف العناية".
يلخص تجربته: "في البداية كان الجو مليئًا بالخوف والحذر والتعامل بقلق شديد مع الحالات، خاصة عندما تكتشف وجود نقص كبير في الإمكانات مع الضغط الكبير لعدد المصابين، إضافة إلى صعوبة التعامل مع مصابي كورونا من حيث التعامل النفسي أو التعامل مع المضاعفات الصحية لهم".
لم يكن وقت الدوام يسعف الطبيب الشيخ، ما كان يضطره لمتابعة الحالات المصابة حتى عندما يعود إلى بيته، مع اتخاذه إجراءات دقيقة لحماية أهله من العدوى.
مواقف عديدة شاهدها الطبيب الشيخ وعالجها، ينتقي واحدًا منها: "وصل إليَّ مريض يزن 170 كيلوغرامًا، رئتاه مصابتان، يتنفس بصعوبة، كانت حالته صعبة وبقينا نعتني به 40 يومًا وهو شاب في مقتبل العمر، فتم توصيله مع أنبوبة أكسجين إلى أن تماثل للشفاء، وانخفض وزنه إلى 50 كيلوغرامًا".
من الأشياء التي تكررت في تجربة الطبيب الشيخ، توقف القلب المفاجئ للمصابين في لحظة كان الأطباء يستعدون لإخراج المرضى من المشفى، أو توقف القلب حينما يعود المرضى لمنازلهم، يردف: "فقدانهم كان شيئًا محزنًا، خاصة أن حالتهم تكون مستقرة، وهذا من أخطر الأمور للفيروس الذي يسبب جلطات في القلب والدماغ يصعب توقع حدوثها".
ينقل عن المصابين: "شعروا بمدى الاهتمام بهم، إذ جرى إنقاذ حياة الكثيرين، ورأوا حجم التضحية الكبيرة من الطواقم الطبية، لقد سهرنا طوال الوقت على رعايتهم".
مسرح المواجهة
مثَّل مستشفى غزة الأوروبي مسرح معركة دارت بين الأطباء وفيروس كورونا، بعد تخصيص المستشفى لاستقبال المصابين وعلاجهم.
مدير المستشفى الأوروبي د. يوسف العقاد يلخص لـ"فلسطين" تجربة المستشفى في مواجهة الفيروس، قائلًا: "معركة تأجيل دخوله ساعدتنا في رفع قدرة المشفى من حيث عدد أسرة العناية من 12 إلى 100 سرير، بما يشمل البنى التحتية من أجهزة ومعدات وطواقم مدربة ومحطات أكسجين".
وأضاف أنه تم تخصيص المستشفى والمدارس المحيطة به لتقديم الخدمة لمصابي كورونا، وتمكنا من استقبال عدد كبير من المصابين، إذ كان يتم إدخال الإصابات الطفيفة إلى المدارس، والخطرة والمتوسطة إلى المشفى.
انخفاض عدد الإصابات دفع بالمستشفى لمحاولة استرجاع الخدمات الاعتيادية بالتدريج بدءًا من خدمة طب الأطفال، لكن سرعان ما بدأت الموجة الثانية من الجائحة، وفق العقاد، مشيرًا إلى أن مستشفى الصداقة التركي ساهم في تقديم الخدمات العلاجية.
وأوضح: في الموجة الثانية استطعنا تقديم خدمات علاجية عالية، كما أن وزارة الصحة من خلال متابعتها الحثيثة ارتأت إعادة الحياة والتخصصات الجراحية إلى المستشفى الأوروبي.
وبحسب العقاد، فإن المستشفى يفتح أبوابه أمام الخدمات التي كانت موجودة سابقًا خاصة الباطنة وجراحة الأعصاب والعيون، باستثناء خدمة الأورام التي نُقلت إلى مستشفى الهلال الأحمر، مشيرًا إلى أن المستشفى يقدم خدمته لمصابي كورونا داخل المبني الغربي الذي يوجد فيه 10 مصابين حاليًّا، وهو ما يعني انحسار الفيروس بعدما كان المستشفى يستقبل في ذروة الجائحة 580 مصابًا على مدار الوقت.
استعداد أعلى
مدير دائرة الطب الوقائي بوزارة الصحة د. مجدي ضهير يلخص خطة مواجهة الوزارة لأزمة كورونا، بقوله: "دخلنا موجتين من الجائحة، الأولى في ربيع وخريف وبداية شتاء العام الماضي، والثانية كانت مع ربيع العام الجاري، وهناك أعداد كبيرة أصيبت بالعدوى".
وأضاف ضهير لـ"فلسطين" أنه مع بداية تفشي الجائحة عالميًّا تم اتخاذ إجراءات مشددة، بدءًا بالحجر الإلزامي لتأخير دخول الفيروس مع العائدين لغزة، وذلك لتعظيم جهوزية الوزارة في التعامل مع الجائحة، ثم جرى تدريب الكوادر وتوفير المستلزمات وأجهزة العناية المكثفة ومواد الفحص ومواد التطهير والتعقيم.
وتابع أن ذلك منح الوزارة فرصة الإعداد التي استمرت 7 أشهر قبل دخول الجائحة إلى المجتمع، وأصبحنا على أعلى درجة من الاستعداد للتعامل مع الحالات فور دخولها وتطبيق نظام العزل الإلزامي حسب البرتوكولات الموجودة، ومتابعة الحجر المنزلي للمخالطين، وتنفيذ برامج المتابعة المنزلية، والإجراءات الاحترازية لمنع تفشي الوباء.
واتخذت الوزارة بالتعاون مع الجهات المختصة سلسلة إجراءات منها الإغلاق الشامل والليلي وإغلاق يومي الجمعة والسبت ومنع الحركة فيهما، وفرض إجراءات السلامة والوقاية، من ارتداء الكمامة وإيقاف التعليم وإغلاق صالات الأفراح والأسواق الشعبية والتجمعات، ما أدى للحد من انتشار الفيروس، وفق ضهير.
وأضاف أنه تم تجهيز غرف العناية على أعلى المستويات، وهو ما خفض عدد الوفيات، إذ تعد غزة من المناطق المنخفضة في عدد الوفيات، وتتراوح النسبة حول 1% في حين تصل نسبة الوفيات مقارنة بأعداد المصابين 3.5% في مناطق أخرى.