فلسطين أون لاين

49 سنة على رحيله

تقرير غسان كنفاني.. إرث أدبي وصحفي يلاحق (إسرائيل) على الرغم من اغتياله

...
الشهيد الأديب غسان كنفاني (أرشيف)
غزة/ أدهم الشريف:

في الثامن من يوليو/ تموز سنة 1979 اغتال جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" غسان كنفاني، أحد أبرز أعلام الأدب والثورة الفلسطينيين، عندما كان عضوًا في المكتب السياسي للجبهة الشعبية، وناطقًا رسميًا باسمها.

ووقع الاغتيال بعد انفجار سيارة مفخخة في العاصمة اللبنانية بيروت، وبحسب نتائج لجنة تحقيق شكلتها الجبهة الشعبية فإن الانفجار نتج عن عبوة ناسفة قدرت زنتها بتسعة كيلوغرامات وضعت تحت مقعد سيارة كنفافي وانفجرت عند تشغيلها.

والشهيد كنفاني شهد النكبة في سن الطفولة، وعايش معاناتها بكل وقائعها السياسية والاجتماعية، ورسخ فكرة المقاومة في أدبه، وواكب حياة الفلسطينيين وكتب عن مآسيهم من منطلق إخلاصه لقضيته الإنسانية الكبرى فلسطين وللقضايا الإنسانية الأخرى.

ولد كنفاني يوم 9 أبريل/ نيسان 1936 في عكا لعائلة متوسطة الحال، والده كان محاميًا، شهد وهو طفل نكبة 1948، وهرب على أثرها مع عائلته سيرًا على الأقدام إلى المخيمات المؤقتة في لبنان، ومنها انتقل إلى العاصمة السورية دمشق.

التحق بمدرسة الفرير في مدينة يافا وتعلم الإنجليزية وأتقنها، وخالف طموح والده لأن يصبح تاجرًا فاتجه إلى عالم الأدب، ونال إجازة في الأدب -قسم اللغة العربية من جامعة دمشق- وكانت الرسالة التي قدمها بعنوان "العرق والدين في الأدب الصهيوني".

التجربة الأدبية

اهتم كنفاني بالأدب وهو في سن الشباب، وكتب القصة القصيرة في عمر الـ19، وبعد انتقاله إلى بيروت وجد لنفسه مكانًا بين المثقفين والأدباء، وحصل على الجنسية اللبنانية ولمع اسمه في عالم الكتابة.

وخلال عمر أدبي قصير نسبيًا ألف 18 كتابًا بين قصة قصيرة ورواية وعمل مسرحي وبحث.

كرس كنفاني كتاباته لنقل معاناة الفلسطينيين في الشتات، وكان يؤكد فيها أن اللجوء في المخيمات ليس حلاً للشعب الفلسطيني، ففي روايته "موت سرير رقم 12" كتب: كيف يتحول الغرباء إلى أرقام بالمنافي، ويعيشون حالة الوحدة دون التفكير في حل جماعي بالعودة، فهم لم يكونوا يشعرون بالانتماء، والآخرون لم يشعروهم بأنهم عرب.

وفي روايته "رجال في الشمس" كما هو الحال في رواية "ما تبقى لكم" يؤكد كنفاني مجددًا أن لا حل لعودة الفلسطينيين إلا بالعمل الجماعي، فهو كان مدركًا وواعيًا لحقيقة أنه لا يمكن الاعتماد على فكرة أن الدول العربية ستحارب لعودة الفلسطينيين "فهي لم تسمح لهم بتشكيل تنظيمات".

كما عرف الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني أيضًا باعتباره أديبًا ساخرًا وناقدًا للقصة والشعر، وهذا ما يجهله الكثيرون، وظهر ذلك في مجموعة مقالات صحفية له خرجت بكتاب "فارس فارس"، وقال إن كتابة أدب المقاومة لا تعني أن يمتلئ الأدب بالسلاح والشعارات والخطب، بل أن تكتب قصة قصيرة ناجحة فهذا أدب مقاوم".

التجربة النضالية

لم يكن كنفاني أديبًا فقط، بل كان مناضلاً من أجل قضيته فلسطين، وظهر التوجه المقاوم لديه منذ طفولته، ورافقه في كل أعماله الأدبية وحياته الشخصية.

انضم إلى حركة القوميين العرب وكتب في المجلات التي كانت تصدرها في دمشق والكويت، وبعد عام 1969 ازداد نشاطه السياسي فأصبح عضوا في المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وقد عرف عنه أنه لم يكن منضبطًا في العمل الحزبي أو يشارك في الاجتماعات لكن دوره السياسي كان أساسيًا، فقد ساهم في وضع الإستراتيجية السياسية والبيان التأسيسي للجبهة الذي أكد أهمية العمل الفدائي والكفاح المسلح.

وفي سبتمبر/ أيلول 1970 أجبرت مجموعة من الجبهة الشعبية ثلاث طائرات على الهبوط في مطار دوسن فيلد العسكري بمنطقة صحراوية في الأردن كانت سابقا قاعدة جوية بريطانية وقامت باحتجاز 310 رهائن للمطالبة بإطلاق سراح ليلى خالد والمعتقلين الفلسطينيين في (إسرائيل)، وقد كان كنفاني في واجهة الحدث لكونه المتحدث باسم الجبهة الشعبية حينها.

ومع بداية السبعينيات كانت بيروت بؤرة للحركات التحررية العالمية، وكانت لكنفاني علاقات شخصية بالثوريين العالميين في تلك الفترة.

وترك كنفاني رصيدًا فيه العديد من الأعمال الإبداعية التي ترجم بعضها إلى عدة لغات أجنبية، ففي الروايات عنده "رجال في الشمس" (1963)، و"ما تبقى لكم" (1966)، و"أم سعد" (1969)، و"عائد إلى حيفا" (1970)، و"من قتل ليلى الحايك؟ (1969).

وفي المجموعات القصصية كتب كنفاني "موت سرير رقم 12″ (1961)، و"أرض البرتقال الحزين" (1963)، و"عن الرجال والبنادق" (1968).

ومن الدراسات التي تركها كنفاني هناك "أدب المقاومة في فلسطين" (1966)، "في الأدب الصهيوني" (1967)، و"الأدب الفلسطيني المقاوم (1968).

حالة فلسطينية فريدة

وقال المدير العام لاتحاد المراكز الثقافية يسري درويش: إن "كنفاني يمثل حالة فلسطينية فريدة، فبالإضافة نشاطه في الفعل النضالي والوطني المقاوم، فهو كاتب أرخ للهجرة ودرس القضية الفلسطينية فيما عاناه الشعب الفلسطيني من تهجير وقتل واحتلال أرض فلسطين، كما أضاف درويش لـ "فلسطين".

وتابع: لذلك كان كنفاني هدفًا كبيرًا للاحتلال، فهو الذي قال إن فلسطين من بحرها إلى نهرها هي كل فلسطين ولا وجود لشيء اسمه (إسرائيل). وشكل اغتياله ضربة للمقاومة ولمنظمة التحرير آنذاك، لكنه أعطى دافعًا قويًا بما تركه من إرث أدبي وفني وصحفي تفرد به عن غيره من جيله خلال فترة الثورة الفلسطينية".

وأكمل: (إسرائيل) عندما تقدم على عمليات الاغتيال، تظن أنها ستخرس هذه الأصوات وأنها ستقضي على أي صرخة فلسطينية تطالب بالحق الوطني وتجرم الاحتلال بشكل دائم، إلا أن هذه المحاولات تبوء بالفشل ويخرج غسان كنفاني آخر، وكتاب وصحفيون جدد، يتسلحون في معركتهم بما تركه شهداء سابقون".