فلسطين أون لاين

الفلسطينيون وثنائية الاحتلال وفساد السلطة

كشف اغتيال الناشط السياسي الفلسطيني نزار بنات أن السلطة الفلسطينية التي تعمل على خدمة الاحتلال وترتبط به لا يمكن أن تكون ديمقراطية فضلًا عن أن تنحاز لشعبها في مواجهة الاحتلال، وهذا ما تقوله تجارب الشعوب مع الاستعمار الذي يحاول دائمًا أن يسخر مجموعة ممَّن يستعمرهم لخدمته، فلا تجد هذه الفئة غير أبناء شعبها لتتسلط عليهم وتقمعهم لكي تتمكن من إتمام المهمة الموكلة لها من الاحتلال بتشكيل حاجز ما بين الشعب ومحتليه.

وقد ظهر أن السلطة بعد قتلها للناشط نزار بنات لا تختلف عن بعض أنظمة القمع العربية، وربما تفوقت عليها، ما دفع البعض إلى مقارنة بنات بخاشقجي، في دلالة عميقة على الحضيض الذي وصلت إليه سلطة أوسلو في تعاملها مع الشعب الفلسطيني!

 

فساد وإجرام

بعد معركة سيف القدس وما تلاها من أحداث بدأ دور السلطة الفلسطينية ورئيسها في التهاوي، وأصبح الفلسطيني لا يتورع عن انتقادها على الملأ، وفي آخر استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للمسح وبحوث السياسات قال 84% من المستطلَعين إن الفساد منتشر في مؤسسات السلطة!

وفي نفس الاستطلاع الذي تم إجراؤه في الفترة من 9 إلى 12 يونيو/حزيران وشمل 1200 خريج من قطاع غزة والضفة الغربية، قال 56% من المستطلَعين إن حماس تستحق تمثيل وقيادة الشعب الفلسطيني، مقابل 14% قالوا ذلك عن حركة فتح! الأمر الذي يشكل تحولًا مهمًا في توجهات الشعب الفلسطيني بعد معركة سيف القدس.

وقد أوجع الناشط السياسي بنات السلطة وقيادتها على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا مع صراحته ومباشرته الدائمة في إدانة المسار السياسي للسلطة وفسادها، مشجعًا بذلك غيره للقيام بهذه المهمة، ومحفزًا للتجمهر والتظاهر ضد السلطة في وقت تصاعدت فيه الانتقادات لدورها السياسي والمعيشي، فكانت عملية الاغتيال في وضح النهار وبتنفيذ مباشر من الأجهزة الأمنية، محاولة لإرهاب الشعب الفلسطيني من خلال إحداث صدمة القتل لوقف موجات الانتقاد والإدانة للسلطة ودورها.

ولكن يبدو أن المنفذين لم يكونوا يتوقعون حجم وطبيعة ردود الفعل الفلسطينية على هذه الجريمة، التي ارتفع من خلالها صوت تخوين عباس في عقر داره، والمطالبة برحيله مع سلطته.

ورغم أن عملية القتل جرت في الخليل، فإن المفاجأة كانت في تركز المظاهرات والهتافات القوية ضد عباس وسلطته في مدينة رام الله التي تمثل ثقل السلطة ورئاستها.

ولذلك تعاملت ولا تزال الأجهزة الأمنية معها بمنتهى القسوة من الضرب والاعتقال، ومطاردة الصحفيين وتكسير كاميراتهم، ما زاد في نقمة الفلسطينيين ومؤسساتهم المدنية وعامة الناس، الأمر الذي ينذر بتصاعد الاحتجاجات وفشل السلطة في السيطرة عليها بدون أن تقدم هذه السلطة كبش فداء لما جرى.

إلا أنه لا يمكن فصل ما جرى لبنات عن مجمل الأوضاع السياسية في الأراضي المحتلة، وذلك بعد النتائج التي حققتها معركة سيف القدس ورفعها من قيمة المقاومة ودورها وتفاعل الشعب غير المسبوق معها.

بل وأكثر من ذلك، فقد ارتفعت وتيرة الانتقاد للسلطة الفلسطينية وتنظيمها فتح لتخاذلهم عن المشاركة مع شعبهم في المعركة. وفي القدس حيث لا ولاية أمنية للسلطة فيها، سمعنا الهتافات بسقوط الرئيس الفلسطيني والتي تعيب تخاذل قيادة فتح في المعركة، وتدخل الأجهزة الأمنية لقمع مظاهرات الضفة الغربية الداعمة للمقاومة في القدس وغزة.

وأشعل كل ذلك الضوء الأحمر لدى الأجهزة الأمنية التي شعرت بالتهديد الجدي، وهذا ما عزز التكهنات بأن جريمة الاغتيال ربما كانت بقرار من الرئيس الفلسطيني نفسه وبتواطؤ من قادة الأجهزة الأمنية، في محاولة يائسة لإرهاب الناس وإيقاع الخوف الشديد في نفوسهم.

وربما كان من دوافع الاغتيال أيضًا محاولة السلطة استباق أي محاولة لتصعيد جماهيري في الضفة ضد السلطة ورئيسها، من خلال أجواء المقاومة والتصدي للاحتلال في بعض القرى الفلسطينية مثل بيتا وبيت دجن ونعلين والشيخ جراح، وظهور تخاذل السلطة الفلسطينية عن القيام بأي دور لحماية الفلسطينيين من بطش الاحتلال، مضافًا إليه فساد هذه السلطة واستهتارها بأرواح الفلسطينيين من خلال صفقة اللقاحات الفاسدة مع (إسرائيل).

 

ثنائية الفساد والارتهان للاحتلال

لا يمكن الفصل بين التبعية للاحتلال كمهمة غير وطنية، وبين الفساد والإجرام، فالمنطق يقول إن من يسمح لنفسه بأن يكون عونًا للاحتلال على شعبه لا يمكن أن يكون نظيفًا أو حريصًا على شعبه، بل إن الحفاظ على مصالحه يجعله يتجرد شيئًا فشيئًا من أخلاقه وارتباطه بقضيته.

فقد أمعنت قوات أمن السلطة الفلسطينية في ملاحقة ومطاردة المقاومين، وسلمت بعضهم لقوات الاحتلال بعد أن تشربت العقيدة الدايتونية للتعاون بين السلطة والاحتلال برعاية وتدريب أمريكي ليس على المستوى العسكري فقط، وإنما أيضًا على المستوى الفكري الذي يجعلها تخلص في ملاحقة المقاومة لأنها باتت تؤمن أنها ضد مصلحة الشعب الفلسطيني وتقوض العلاقة مع المحتل.

ولا حاجة بنا إلى سوق الأدلة والبراهين على نتائج التعاون الأمني مع الاحتلال فهي متاحة ومعروفة، ولكن المهمة الأخرى للسلطة الفلسطينية والتي لا تكاد تنفصل عن الأولى، وهي إسكات المعارضين والمنتقدين وملاحقتهم بل وحتى قتلهم، تحتاج هنا إلى ذكر أسماء نترك للقارئ أن يلاحق تفاصيلها.

ففضلًا عن الاعتقال والترهيب بحق المعارضين، هناك حالات قُتلت بأيدي قوات السلطة قبل نزار بنات، نذكر منهم خلال السنوات الخمس الماضية: أحمد حلاوة ونيفين العواودة وإيمان الرزة ورائد الغروف وعماد الدين دويكات وغيرهم.

وإذا كان الشعب الفلسطيني قد خبر جيدًا دور السلطة وتعاونها مع الاحتلال ضد المقاومة، فإنه بات يجد أن من الصعب عليه أن يتحمل أيضًا فسادها وإجرامها الذي بات يزكم الأنوف، فكان نزار من أبرز من تجرؤوا على التصدي لثنائية الارتهان للمحتل والفساد، فدفع الثمن من روحه بعد أن حمّل الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس حكومته محمد اشتية المسؤولية الكاملة عن صفقة اللقاحات الفاسدة مع (إسرائيل).

 

المصالحة نقيض الارتباط بالاحتلال

انكشف عوار السلطة هذه المرة بشكل غير مسبوق، حيث أبت إلا أن تؤكد أن من يرتبط بالاحتلال ويسهر على خدمته لا يمكن أن يكون ديمقراطيًا ولا حريصًا على شعبه، لأن همه الوحيد سيكون هو الحفاظ على مصالحه المرتبطة بالاحتلال مهما كلف ذلك من ثمن.

فقد أفشل عباس الانتخابات وضرب عرض الحائط بالإجماع الوطني عليها ليؤكد أنه لا يمكن إنجاز شراكة مع سلطة ترتبط بالاحتلال، ولا الدخول في إطار صنعه الاحتلال لخدمته، ولا حتى الركون إلى مرسوم حريات يصدره الرئيس الفلسطيني!

كما أن من يحارب الرأي السياسي للمواطنين لا يمكن له بحال أن يوافق على شراكة سياسية مع غيره.

ويبدو أنه لم يعد هناك مستقبل للمصالحة مع سلطة رهنت نفسها للاحتلال، وجعلت العلاقات الوطنية الفلسطينية في مؤخرة اهتماماتها، وهذا أدعى لأن يتبلور إجماع وطني يغير على الأقل دور السلطة ويفك ارتباطها بالاحتلال. وهذا يمكن أن يتم من خلال إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وجعلها تشرف على هذه السلطة، وتحصر وظيفتها بتقديم الخدمات للفلسطينيين ونزع أي صفة سياسية عنها.

وإذا كانت (إسرائيل) قد خسرت معركة سيف القدس بصمود الشعب الفلسطيني وتوحده في ساحات النضال، فإنه لا بد من استكمال المعركة معها بما يتطلب أولًا تحييد معيقات الصراع معها في الضفة الغربية التي تمثل ساحة المعركة الرئيسية، مع إطلاق مجهود وطني شامل لإنهاء اتفاق أوسلو وتداعياته، والاتفاق على برنامج وطني يجرّم التعامل مع الاحتلال ويعمل على اقتلاعه.

المصدر / فلسطين أون لاين