ما زالت الأوساط الإسرائيلية منشغلة بتبعات العدوان الأخير على غزة، من خلال اكتشاف عدد غير قليل من المشكلات والقيود في جهود الدعاية الإسرائيلية خارجيًا وداخليًّا، بجانب المزيد من الثغرات التي ولَّدت شعورًا لدى الجمهور الإسرائيلي بأن "الدعاية قد فشلت".
كشفت حرب غزة الأخيرة أن الموارد الإسرائيلية المستثمرة في مجال الدعاية، بعيدة كل البعد عن أن تُرضي وتفي بمعايير الجهود الإسرائيلية، مع أن المشكلة لا تُعزى فقط لنقص الموارد، ولكن أيضًا لأسباب أخرى، دفعت أوساطا إعلامية ودعائية عديدة للمطالبة باستخلاص الدروس الخاصة، ورفعها لصانعي القرار الإسرائيلي.
صحيح أن الجزء العسكري من حرب غزة انتهى، لكن ما زال الحديث مستمرا بخصوص ما قام به الجهاز السياسي والمعلوماتي من جهد مكثف لخلق شرعية دولية لإسرائيل، ومواجهة محاولات ملاحقتها في المحاكم الدولية، وإدانتها في مختلف المحافل، وإطلاق لجان تحقيق ضدها في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومواجهة انحيازها للفلسطينيين.
لا يتردد الإسرائيليون في الاعتراف بأن حرب غزة شهدت انطباعا دعائيا بأن حماس حققت إنجازات كبيرة، بتقديم نفسها مدافعة عن القدس، وإطلاق الصواريخ على القدس وتل أبيب، والاستمرار بإطلاقها حتى آخر يوم من الحرب، في حين أن أداء الجيش الذي استخدم كثافة نارية كبيرة لم يحصل على صورة رمزية بارزة كالقضاء على قادة حماس، أو إعادة الأسرى الإسرائيليين؛ ما يصعب تسويق الإنجازات للجمهور الإسرائيلي.
في هذه الحالة، يوجه الباحثون الإسرائيليون اللوم لدوائر صنع القرار في عدم وجود منبر إعلامي توضيحي للجمهور الإسرائيلي من خلال مؤتمر صحفي يومي أو نصف يومي لرئيس الوزراء ووزير الحرب ورئيس الأركان، بحيث يتوسع الإيجاز بوضوح، ويشرح التحديات، لخلق تواصل الوعي بالأحداث لديه.
مع العلم أن أبرز حدث إعلامي خلال حرب غزة، استقطب انتقادات دولية واسعة النطاق، هو قصف برج الجلاء، المستخدم من وسائل الإعلام العربية والأجنبية، وهو سلوك تطلب بالأساس مناقشة أهداف من هذا النوع على أعلى مستوى في الجيش الإسرائيلي، خاصة عند النظر في جميع العواقب الدولية، وفي بعض الحالات يمكن التنازل عن ضرب الهدف نظرًا لحساسيته، من أجل موازنة كل تداعيات وإمكانيات العمل، بين المنفعة الأمنية في مواجهة الصورة وعواقب السياسة، لكن ذلك لم يحصل، وجاءت النتيجة سلبية على إسرائيل.
ضرر دعائي كبير آخر لحق بإسرائيل تمثل بالحديث عن تدمير "مترو حماس"، وهي الأنفاق، وربما كان اللقب ناجحًا بين الإسرائيليين، لكنه بالتأكيد ليس في الجماهير الدولية، الذين يعتبرون "المترو" أحد أهم شرايين الحياة التي تسمح لمئات الناس بوصول أعمالهم ومنازلهم كل يوم، وجعل تفسيرهم للتصريحات الإسرائيلية بشأن هدم "المترو" الفلسطيني في غزة، سلبياً؛ ما أضر بالدعاية الإسرائيلية حول العالم.