إذا كانت السلطة غير مؤتمنة على أرواح المواطنين، ولا تحترم حق المواطنين في حرية التعبير وإبداء الرأي في قضايا الوطن السياسية، وإذا كان رجالات السلطة من محافظين وما دون ذلك لا يميزون بين كلام الله سبحانه، وكلام الشعراء، حتى قال ممثلهم محافظ أريحا: "وكما قال الشاعر: "كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون"!
إذا كان الأمر كذلك كما أظهرته الأحداث الأخيرة، بدءا باغتيال نزار بنات الناشط السياسي المعارض، ومرورا بهجوم شبيحة السلطة على المواطنين المتظاهرين نصرة لحرية التعبير، وتنديدا بمن قتل بنات، وانتهاءً بالجهل الذي لا يميز بين قرآن وشعر، ولا بين ألف وكوز ذرة كما يقولون عادة فيمن لديهم ذهن ثقيل، وقفا غليظ.
إذا كان الأمر كذلك فإن أمر قيام دولة فلسطينية أمر بعيد، وقيام التحرير أبعد وأبعد، ومن ثمة يستطيع الاحتلال أن يطمئن على وجوده في الأراضي المحتلة لفترات طويلة، ومن لا يملك غير هذا العار سيلقي بنفسه في أحضان التخابر وخدمة المحتل.
من قتل بنات لم يتلقَّ تعليما في الحريات، ولا في الديمقراطية، ولا في الأخلاق، وليست له قراءة في كتاب الله وسنة نبيه، ولا يدرك ماذا يعني يوم السؤال والحساب، ولو تلقى تعليما في شيء من ذلك ما أقدم على القتل الذي هو من أبغض الكبائر عند الله، ويهون أمامه هدم الكعبة، ولو تلقى المحافظ وأمثاله تعليما جامعيا، أو قل تعليما متوسطا، قبل تعيينه محافظا ما خلط بين القرآن والشعر في خطابه أمام الجماهير.
الشعب يرفض هذه النماذج، ويرفض أن تمثله، لأن تمثيلهم للجماهير الفلسطينية يجعل الفلسطيني سخرية للأعداء، وقد يتخذون منه دليلا على عدم استحقاق الشعب لدولة مستقلة، لأن الدولة الحديثة المستقلة لا تقتل أبناءها، ولا تجعل الوظيفة العمومية العليا مرتعا للجهل.
الحكومة الحديثة تحترم حرية التعبير، وتحمي المعارضين، وتحرسهم، ولا تلجأ لنظام الشبيحة في لجم المعارضة، لأن الشبيحة هم جزء من أجهزة الأمن، ونزع زيهم الرسمي من أجل التشبيح هو بغرض الفرار من الصورة والكاميرا والقضاء.
السلطة التي تحمي نفسها بالشبيحة، وتقوم على ولاء الجهلة والأغبياء لا تستحق أن تمثل شعب فلسطين المقاوم صاحب أعلى نسبة في التعليم بين شعوب العرب قاطبة. من هنا نعرف كيف تم اتفاق أوسلو الكارثة كما وصفه رجال من اللجنة التنفيذية للمنظمة، ونعلم لماذا كان التنسيق الأمني مقدسا، مقدسا، مقدسا، في فكرهم وخطابهم بلا خجل.