رجل أمن بزي مدني يمسكُ عصا وينهال بالضرب على صحافية جاءت لتوثق مسيرة سلمية عند دوار "المنارة" وسط رام الله في الضفة الغربية، احتجاجًا على اغتيال المعارض السياسي نزار بنات، عنصر آخر يمسكُ حجرًا ويضرب به رأس متظاهر، يأتي زملاؤه من الخلف فيضربون المواطن بأقدامهم فيختل توازنه ويسقطُ أرضًا، فيلتفون حوله مثل الضباع ويسحلونه على أرضية الأسفلت الخشنة، وأخرى عرفت بـ"صاحبة البنطال الأحمر" تمسكُ شعر صحفية وتشده في أسلوب قمعي.
خرج هؤلاء العناصر من بين الحشود وانهالوا على المشاركين فيها بالضرب، أسلوبٌ قمعي يعيد للأذهان الثورات العربية، تحاكي به السلطة أدوات الاستبداد في قمع الحريات والتظاهرات، ما يؤكد وجود دولة عميقة للحزب الواحد، اختارت فيها حركة فتح التي ينتسب أبناؤها للأجهزة الأمنية الانحياز للقمع والعنف، وعبر عنها القيادي فيها عبد الإله الأتيرة محذرًا: "فتح ستكون في الشارع في وجه من يتمادى على أفراد الأمن ولقمة عيشنا".
أجواء ساخنة
عن ذلك قال المحامي عبد الكريم فراخ: "إن الحالة الفلسطينية والأجواء في الضفة الغربية ساخنة في إثر تجاوزات الأجهزة الأمنية بحق المواطنين، التي لا تختلف عن الأنظمة القمعية العربية".
وأوضح فراخ في حديثه لصحيفة "فلسطين" أن السلطة استطاعت في المدة الماضية استيعاب أبناء الحزب الحاكم (حركة فتح) في صفوفها، وبذلك باتت أشبه بما يسمى "الدولة العميقة".
وأضاف: "الشيء المهم هو عملية التغذية واستنهاض أبناء حركة فتح، وكأن الحرب مستعرة مع الشعب"، لافتًا إلى أن السلطة تتحدث وكأن هناك هجمة على "فتح"، للتغطية على تجاوزات الأجهزة الأمنية بركوب موجة تاريخ الحركة.
وأكد فراخ أن السلطة باستخدام القمع تخالف القانون الفلسطيني بشكل "فج"؛ خاصة القانون الأساسي الذي يمنع التضييق على الحقوق والحريات، وكذلك تخالف قانون الإجراءات الجزائية الذي وضع معايير في دهم البيوت، وحدد آليات لطريقة الاعتقال والجهات المنوط بها عملية الاعتقال، بأن يعتقل المتهم ثم يحول إلى النيابة ويعرض على القضاء.
وقال: "إن الممارسات على أرض الواقع تخالف القوانين، وما دل على ذلك من عملية قتل المعارض نزار بنات، لأنه ما بين لحظة اعتقاله وإعلان وفاته لم يتجاوز ساعة"، مشيرًا إلى أن السلطة أمام حالة الغليان في الشارع الفلسطيني اضطرت أن يكون ممثلًا لعائلة بنات في تشريح الجثة الذي أظهر عملية التعذيب والتكسير.
ويعتقد فراخ أن الأجواء "ساخنة"، وأن نزول عناصر الأمن بلباس مدني هدف لخلق حالة من الاقتتال الداخلي.
نهج قمعي
من جهته رأى الكاتب المحلل السياسي عمر عساف أن السلطة تثبّت بقمع المتظاهرين نهجًا لا حادثة عرضية، فقبل سنوات قمعت بشكل مشابه مسيرة كبيرة خرجت في رام الله طالبت برفع الإجراءات العقابية عن غزة، ثم تراجعت عن القمع حينها تحت ضغط الشارع.
وقال عساف لصحيفة "فلسطين": "إن السلطة استخدمت أسلوب "الشبيحة" نفسه بإنزال عناصر أمن بلبس مدني إلى الشارع، وتهييج عناصر فتح تحت شعار الدفاع عن الحركة وكأنها المستهدفة، محاولة خلط الأوراق، وهذا ينذر بخطورة عالية للسلوك، لأنه يمس المجتمع حينما تصبح القضية وكأنها اختلاف تنظيمي في برنامج معين".
وبين أن عدم تراجع السلطة عن هذا السلوك ومحاسبة المسؤولين عن اغتيال الناشط بنات مؤشر على وجود مشروع سياسي، هو العودة للمفاوضات، وهذا يتطلب إسكات أي صوت معارض لهذا المشروع.