في مقابلة حوارية متلفزة مع الرئيس محمود عباس زعم أنه إذا تظاهر ضده خمسة يطالبون برحليه، فإنه سيغادر موقعه فورًا؟ كان هذا التصريح فيما يبدو للاستهلاك المحلي في مرحلة كانت المظاهرات تجتاح العواصم العربية. في تلكم الحقبة لم يتظاهر الفلسطينيون، ولكنهم اليوم وبعد مقتل بنات يتظاهرون، ويطالبون برحيل الحكومة، وأمس القريب وبعد توقف الحرب على غزة في معركة سيف القدس تظاهر الآلاف في المسجد الأقصى والقدس ومواقع أخرى طالبوا فيها عباس بالرحيل؟! عباس لم يرحل كما وعد في المقابلة التلفزيونية؟! ولا أظنه سيرحل عن منصبه بقرار ذاتي منه ولو خرجت مظاهرات ومظاهرات. هو يخرج من منصبه بالوفاة، ومن دونها لا يخرج لأنه لا يستطيع الحياة خارج وظيفة رئيس؟!
قد يتفهم بعض المجتمع موقف عباس بعدم الرحيل، وليس في نظام العرب من رحل عن كرسي الحكم بقرار ذاتي، عدا الرئيس السوداني سوار الذهب، ولكن كل المجتمع الفلسطيني في الداخل والخارج لا يتفهم موقف عباس بإنزال عناصر أمنية من السلطة والتنظيم لضرب المتظاهرين وسحلهم واعتقالهم، والاعتداء على الصحفيين وإسالة دمائهم، ولأنهم يلبسون ملابس مدنية أطلق عليهم الإعلام والمتظاهرون اسم (شبيحة السلطة)، وهو لفظ ذو دلالة يذكرنا بشبيحة بلاد عربية أخرى.
ما الذي أخرج عناصر من فتح وأمن السلطة للتظاهر تأييدًا للرئيس عباس، والهتاف بحياة الرئيس؟! ما الذي أخرجهم للتظاهر إذا كان الرئيس وحكومته لا مسؤولية لهم عن مقتل نزار بنات؟! المتظاهرون من أجل الحرية، ومن أجل العدالة، ومن أجل القصاص، معهم مبررات أخلاقية، ووطنية للتظاهر، ومظاهرة السلطة المضادة ليس لها مبرر لا من الوطنية ولا من الأخلاق، بدليل أن حكومة اشتية شكلت لجنة تحقيق، أي هي ترى في جريمة مقتل نزار بنات عملًا منافيًا للوطنية والعدالة؟! ويبدو أن حزب الشعب الذي أعلن انسحابه من حكومة اشتية، قد شارك في إدانة قتلة نزار، وفي إدانة شبيحة السلطة الذين اعتدوا على الصحفيين، ويبدو أيضًا أن نقابة الصحفيين في الضفة قد شاركت في الإعلان عن إدانة مماثلة بإيقاف تغطية أخبار السلطة، وبمطالبة السلطة بمحاسبة الشبيحة؟!
ما يجري في الضفة الآن هو أكثر من تظاهر برسم يطلب الرحيل، إذ يبحث المتظاهرون أيضًا عن الحريات الغائبة، والعدالة المفقودة، وعن الوطنية التي تمنع الشرطي ورجل الأمن من الاعتداء على المواطن بالضرب، فكيف والأمر ذهب إلى القتل المتعمد تحت التعذيب؟! حكومة عباس غير مؤتمنة على أرواح المواطنين لذا يجب أن ترحل، وعلى السلطة سحب الشبيحة من الشوارع، لأن الشارع الفلسطيني قد يذهب نحو التحدي ومن ثمة المخاطرة بالسلم الأهلي؟!