فلسطين أون لاين

​بلجيكا .. رمضان دون فانوس

...
بروكسل / غزة - رنا الشرافي

لم يكن الحديث معها عن شهر رمضان "مشوقًا" بل طغى عليه الحنين إلى كل شبر في غزة، فمع مرور عامين على وجودها مع عائلتها (زوجها وأولادها) في بروكسل لا تزال أسيرة الحنين إلى هذا القطاع المحاصر.

إنها حسنة عابدين من مدينة خان يونس، انتقلت بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة عام 2014م إلى بروكسل، وكان سبب اختيارهم هذا البلد أنه أسرع الدول الأوروبية لمًّا لشمل العائلات المهاجرة.

عابدين تلك السيدة الغزية هي ربة منزل، حياتها انكفأت على تربية الأولاد وتلبية متطلبات عائلتها الصغيرة، جيرانها في الغُربة هم من المغرب العربي، ويتحدثون باللغة الأمازيغية، ما يجعل تفاهم عابدين معهم صعبًا بسبب صعوبة اللغة، وهو ما فرض عليها مزيدًا من العزلة في هذا البلد الغريب.

في بلادنا العربية مظاهر رمضان تكسو الأسواق والمنازل، من مختلف أنواع الزينة الرمضانية التي يجسد منظر الفانوس الرمضاني والهلال أبرز معالمها، أما في الدول الأجنبية فيختلف الحال من بلد إلى آخر كما هو الحال اليوم في بلجيكا.

أخبرتنا عابدين أنه لا مظاهر رمضانية في هذا البلد، وأن الاحتفالات الدينية تقتصر فقط على المسيحيين، لاسيما في رأس السنة الميلادية، أما احتفالات المسلمين في رمضان فتقتصر على ما يقومون به من أعمال تزيين، وإعداد أنواع من الأطعمة داخل منازلهم.

وقالت: "نشاهد احتفالاتهم ونسمع صخبها، في حين يمنعون المساجد من الجهر بالصلوات: الصلوات الخمس أو التراويح، ولا مكانة خاصة ليوم الجمعة أو يوم العيد؛ فقد يأتي يوم العيد والأولاد في المدرسة".

وعن نهار رمضان قالت: "النهار طويل جدًّا، نصوم 19 ساعة في اليوم، وهنا لا يوجد أي شيء ممكن أن نشتريه من زينة رمضان أو فوانيس وما شابه، فهذه المظاهر نفتقدها هنا، ولا نراها إلا في بلداننا العربية".

حاجز اللغة الذي وقف حائلًا بينها وبين التفاهم مع جيرانها المغاربة لم يمنع أطفالها من الاندماج مع أبنائهم، خاصة أن بينهما قاسمًا مشتركًا، ألا وهو الدين الإسلامي، وجميعهم يصوم شهر رمضان.

عن أبنائها قالت: "أولادي يصومون رمضان، ولم يجدوا يومًا أي تعليق من أحد بسبب دينهم الإسلامي وصيامهم لشهر رمضان، بل على العكس هنا يوجد الكثير من المهاجرين من المغرب، وهم مسلمون يصومون شهر رمضان مثلنا".

وعن دور المساجد في التهيئة لأجواء العيد قالت عابدين: "في المساجد ممنوع الصوت العالي، وممنوع الأذان، وممنوعة تكبيرات العيد، يعتمدون على مكبرات داخلية"، وعن سؤالنا: هل تؤدين صلاة التراويح في المسجد أجابت: "لا يمكنني الذهاب؛ فهنا العشاء يؤذن له الساعة 12 بعد منتصف الليل، أي ما يوافق الساعة الواحدة بتوقيت غزة".

تراب غزة

وأشارت إلى صعوبة الانتظار التي تواجهها العائلات المسلمة في انتظار أذان العشاء، الذي يأتي متأخرًا جدًّا في الليل، مشيرة إلى أنها تشغل نفسها طول النهار بإعداد بعض الأطعمة الرمضانية التي تضفي طقوسًا روحية على الشهر الفضيل، مثل كعك العيد.

وفيما يتعلق بالزيارات الرمضانية وتبادل أطباق الأطعمة قالت: "ذات مرة أرسلت إلي عائلة مغربية طبقًا من أطباقهم المشهورة"، لافتة إلى أنها تعرفت إلى بعض السيدات الغزيات، لكنهن مثلها لا يخرجن من بيوتهن.

وذكرت عابدين أن الجمعيات الإسلامية تقيم مآدب إفطار جماعية للمسلمين، قد يحضرها زوجها أحيانًا، لكنه يفضل الطعام الغزي على أي نوع آخر من الأطعمة، وقالت: "طعامهم لا يشبه طعامنا، لذا نحن لا نستسيغه".

وعندما طلبنا منها المقارنة بين رمضان في غزة ورمضان في بلجيكا قالت: "لا يوجد وجه مقارنة بين رمضان بلجيكا ورمضان غزة، خاصة أن فرحة رمضان والعيد ننتظرها من السنة للسنة بشوق كبير، أما هنا فلا طعم لهذه الأجواء ولا مشاعر فرح".

وتابعت: "هنا في الغربة أفتقد لمة العائلة والأهل والأصدقاء، خصوصًا في رمضان، أحن إلى جمعة العائلة في العيد، ولو خيروني بين غزة وبلجيكا أختار تراب غزة وأنا مغمضة عيني".

وفي رسالة إلى أهلها قالت عابدين: "كل عام وأنتم بألف خير وسعادة وراحة بال، وإن شاء الله مثل هذا اليوم أكون بحضنكم، وإن شاء الله ينعاد عليكم بالخير والبركة يا رب، وربنا يجمعنا بكم عن قريب".